شارف الثلث الثاني من الشهر الجاري على الانتهاء والموظفون الفلسطينيون لم يتلقوا بعد رواتبهم بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها السلطة، والتي تفاقمت بصورة حادة الشهر الجاري نتيجة قيام إسرائيل باحتجاز أموال الجمارك التي تشكل أكثر من ثلث موازنتها. وأضرب معلمو المدارس الحكومية أمس عن العمل احتجاجاً على عدم تلقي رواتبهم، فيما أعلنت نقابة الموظفين عن سلسلة خطوات احتجاجية تبدأ بإضراب جزئي اليوم، وإضراب كامل غداً وبعد غد. وقال الأمين العام لاتحاد المعلمين محمد صوان إن «الإضراب جاء نتيجة عدم قيام الحكومة بتأمين رواتب الموظفين، إذ اصبح الموظف غير قادر على دفع تكاليف المواصلات إلى مكان عمله»، مضيفاً أن المعلمين سيضربون الأحد المقبل أيضاً. وتعاني السلطة الفلسطينية أزمة مالية منذ عام 2010 نتيجة تراجع الدعم المالي الدولي. وتفاقمت الأزمة بصورة أكبر العام الحالي نتيجة تراجع الإيرادات المحلية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية، ما جعل السلطة تقدم الرواتب على دفعات لموظفيها البالغ عددهم أكثر من 150 ألفاً. لكن السلطة لم تتمكن حتى اليوم من توفير أي حد من رواتب الموظفين عن الشهر الماضي بعد أن أقدمت حكومة إسرائيل مطلع الشهر على احتجاز أموال الجمارك البالغة قيمتها 120 مليون دولار لمعاقبتها على التوجه إلى الأممالمتحدة للحصول على دولة مراقب. وقال رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض إن أموال الجمارك التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة من المستوردين عبر المعابر التي تسيطر عليها، تشكل عصب الحياة لموازنة الحكومة، مضيفاً أن «الإجراء الإسرائيلي يشكل عدواناً جديداً على الفلسطينيين». وتتولى السلطة، إلى جانب دفع رواتب الموظفين، توفير مساعدات اجتماعية لعشرات آلاف العائلات الفقيرة، وعائلات الشهداء والأسرى التي تخصص لها ثلث موازنتها. ووفق بيانات الموازنة المنشورة على موقع وزارة المال على شبكة «الأنترنت»، فإن مصاريف السلطة تبلغ 300 مليون دولار شهرياً، منها 200 مليون للرواتب والمصاريف الجارية، ومئة مليون لأسر الشهداء والأسرى والعائلات الفقيرة. وتجبي إسرائيل رسوم الجمارك عن كل الواردات إلى السلطة، ما يضع قرارها الاقتصادي تحت رحمة السلطات الإسرائيلية. ويتوقع المسؤولون في السلطة أن تواصل الحكومة الإسرائيلية احتجاز أموال السلطة، على الأقل لحين انتهاء الانتخابات العامة في إسرائيل نهاية الشهر المقبل، الأمر الذي يجعل السلطة غير قادرة على توفير رواتب الموظفين للشهر المقبل أيضاً. ويقول المسؤولون في نقابات الموظفين انهم سيواصلون القيام بالإضراب بسبب عدم توافر المال في جيوب الموظفين للوصول إلى أماكن عملهم. وتضع الإضرابات السلطة في موقف بالغ الحرج بسبب توقف الخدمات، خصوصاً التعليم. في هذا الصدد، قال فياض انه يبحث عن خيارات أخرى من أجل إبقاء العملية التعليمية متواصلة، منها البحث عن معلمين متطوعين من طلاب الجامعات. وقال: «يمكن للمعلم الذي لا يملك المال من أجل القدوم إلى مدرسته أن يعلم في اقرب مدرسة إلى مكان سكنه، ويمكننا الاستعانة بطلاب الجامعات ليحلوا محل المعلمين المضربين». وأضاف: «نتعرض إلى عدوان إسرائيلي على حقنا في لقمة العيش والحياة، وعلينا أن نتصدى لهذا الاعتداء والحد من تأثيراته في حياتنا». وأضاف: «اعتاد الفلسطينيون في العهود القديمة على نظام العونة، أي المساعدة، خصوصاً في الزراعة، ولا مانع لدينا من العودة إلى هذا النظام الشعبي من جديد». وأضاف: «أثناء الانتفاضة الأولى، أغلقت إسرائيل المدارس، ولجأنا إلى التعليم الشعبي في البيوت، ويمكننا العودة إلى هذا الأسلوب ثانية أيضاً». ولم تجد السلطة وسيلة للخروج من الأزمة المالية الحادة سوى مناشدة الدول العربية تقديم العون لها. وقال فياض: «نستنجد بالدول العربية لأن العرب إخوتنا وليس لنا من يخرجنا من هذا الضيق سواهم». وكانت الدول العربية تعهدت توفير شبكة أمان مالية للسلطة بقيمة مئة مليون دولار شهرياً في حال تعرضت إلى عقوبات إسرائيلية على خلفية توجهها إلى الأممالمتحدة. وقال فياض: «آن الأوان للدول العربية أن تعمل على تقديم شبكة الأمان التي وعدتنا بها رغم أنها لا تكفي لسد حاجاتنا». وأضاف: «من دون ذلك، فإن الحكومة الفلسطينية غير قادرة على توفير رواتب الموظفين والخدمات للمواطنين».