كشفت حوارات مكثّفة يقودها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني منذ أيام، في منازل شخصيات سياسية معروفة بمواقفها المتباينة بل المضادة للمعارضة الإسلامية ممثلة بجماعة «الإخوان المسلمين»، توجهاً رسمياً لدعم تحالفات جديدة تغلب عليها الانتماءات «اليسارية والقومية» لمواجهة ما يعرف بثنائية الدولة و»الإخوان»، وفق مسؤولين بارزين تحدثت إليهم «الحياة». وشكلت هذه الحوارات، بحسب مراقبين ومحللين، «اختراقاً» غير مسبوق في الحوار الملكي الذي جمع للمرة الاولى ناشطين يمثلون الحراك وقوى سياسية صاعدة ومثقفين يساريين وقوميين ومستقلين. وخلال الحوارات المتواصلة التي جرت بعيداً عن الإعلام، وقال مشاركون فيها ل «الحياة» إنها اتسمت ب «الصراحة والجرأة في توصيف الأمور»، أكد الملك السعي إلى «دعم الحراك الشعبي واستعادة ثقة الشارع من دون المس بكرامة العرش وهيبته». ومثل هذه المصارحة عبر عنها بوضوح الناطق باسم الحكومة الوزير سميح المعايطة الذي قال ل «الحياة»: «نسعى بكل السبل إلى ترميم علاقتنا بالشارع». واشار عبدالله الثاني الى أن قرار رفع الأسعار الأخير «اتخذ رغماً عن الدولة»، مؤكدا أن الدينار الأردني «كان مهدداً بالانهيار في غضون 18 ساعة فقط لو لم تتجه الحكومة إلى اتخاذ قرارات سريعة برفع الدعم عن المشتقات النفطية» منتصف الشهر الماضي. وفي شأن آخر، أقر العاهل الاردني بعدم وضوح الرؤيا في شأن كيفية تشكيل الحكومة البرلمانية التي كان وعد باعتمادها عقب إجراء الانتخابات النيابية مطلع العام المقبل، وذلك في ظل مقاطعة قوى سياسية فاعلة، خصوصا المعارضة الإسلامية. لكنه أوضح خلال لقاء آخر جرى في منزل أحد أركان الدولة البارزين أن الديوان الملكي «يعكف حالياً على درس كل الاحتمالات للخروج بصيغ يتوافق عليها الجميع في شأن هذه الحكومة». في موازاة ذلك، نفى عبدالله الثاني علاقته بما يعرف بتظاهرات «الولاء والانتماء» التي عرف عنها مناكفة المطالبين بالإصلاح والاعتداء على بعض فعالياتهم، وعبر عن رفضه المطلق اعتقال الناشطين السياسيين مهما كان السبب، مؤكدا أنه ضد تحويل هؤلاء على محكمة «أمن الدولة» العسكرية. ولم يتطرق الحديث الملكي إلى جماعة «الإخوان» صراحة، لكنه أكد خشية الأردن من تصاعد الإسلام السياسي في المنطقة، وتولدت قناعة بضرورة مواجهته أردنياً وعدم السماح «بتحالفات تقوم على الطائفية». في هذا الصدد، أكدت مصادر أردنية رفيعة المستوى ل «الحياة» أن «الجدل الدائر في مصر في شأن السلطة والأسلوب الذي تنتهجه جماعة الإخوان هناك، انعكس بشكل مباشر على علاقة الدولة بإخوان الأردن، وأكد ما ذهب إليه بعض الشخصيات المحافظة داخل صنع القرار سابقا عندما رأت في مطالب الأخوان الإصلاحية محاولة للانقلاب على السلطة الشرعية في البلاد عبر المطالبة بتقييد صلاحيات الملك». وتحدث ناشطون شاركوا في الحوارات الملكية ل «الحياة»، عن سعي رسمي الى «دعم التحالف اليساري والقومي في البلاد معنوياً وسياسياً كبديل عن جماعة الإخوان»، في محاولة جادة لمنع صعود الإسلام السياسي على غرار التجربة المصرية. وقال الناشط أدهم غرايبة الذي حضر جانباً من هذه الحوارات خلال تصريحات مقتضبة لم يتطرق فيها الى التفاصيل، إن الحوارات «جاءت برغبة ملكية للاستماع إلى مجموعة سياسية تمثل تيارات اليسار السياسي». فيما قالت مصادر رسمية وأخرى سياسية ان «فريقا من كبار مسؤولي الدولة شرع بإجراء حوارات غير معلنة مع القوى اليسارية والقومية تزامناً مع الحوارات الملكية»، وصولا إلى برلمان جديد ب «نكهة سياسية»، في ظل غياب المعارضة الإسلامية إلى جانب الجبهة «الوطنية للإصلاح» التي يتصدرها رئيس الوزراء السابق أحمد عبيدات، وتضم عدداً كبيراً من الشخصيات السياسية والعشائرية المستقلة. وأكدت أن هذا الفريق «حمل رسائل صريحة إلى تلك القوى والشخصيات تدعوها إلى مغادرة مربع المقاطعة، مع تأكيد نزاهة الانتخابات».