على خلاف التظاهرات السلمية في مدن وادي النيل لإطاحة نظام مبارك، توسل البدو الصواريخ والقنابل لطرد رموزه من سيناء. وفي وسط شمال سيناء، تتشح الحيطان برسوم غرافيتي تحتفي بإمارة سيناء الأولى، ويرفرف علم «الجهاديين» الأسود فوق المراكز الأمنية، واستهدف قناص مرتين نقطة تفتيش على مدخل العريش الشرقي، وصار رجال الأمن يُخْلُون مراكزهم كل مساء. ففي الماضي كان الناس يخشون الشرطة، أما اليوم فانقلبت الآية. وبعد أسبوع من الهجوم على الجنود المصريين، دمرت القوات المصرية مصنعاً للمتفجرات في كوخ من القصب لم تخمد النيران المشتعلة فيه طوال 4 ساعات، وتحلَّق البدو حول طلل الكوخ والحيرة بادية عليهم وهم ينظرون إلى الجثتين المتفحمتين بين الأنقاض. وبدا أن الجميع يجهل وجود هذا المصنع وهوية العاملَيْن فيه، حيث أجمع كثر على أنهما مقاتلان أجنبيان، لكن بعضهم رأى أنهما من السجناء الفارين من سجون مبارك في وادي النيل، وبعض آخر اعتبر أنهما فلسطينيان عبرا الأنفاق لمهاجمة إسرائيل، أو مهاجران من القرن الأفريقي إلى إسرائيل جندتهم حركة «الجهاد العالمي»، ونُقل أخيراً عن إسلاموي تونسي دعوته من منابر جوامع إلى القتال في سيناء، أو «أفغانستانالجديدة». لكن ثمار تجربة الحكم الذاتي البدوي لم تنعقد، وعلى خلاف توقعات الأهالي، تعثَّر نمو الاقتصاد، فقوات الأمن المصرية حين أخفقت في ضبط الحدود مع غزة، طوقت سيناء وقيدت حركة عبور الشاحنات قناةَ السويس الى شبه الجزيرة «السينائية»، وأرباح التهريب تراجعت: فإسرائيل مضت قدماً في بناء جدار عازل طوله 240 كيلومتراً على الحدود مع مصر، فانخفضت عائدات تهريب المهاجرين من القرن الأفريقي إلى إسرائيل نحو 90 في المئة منتصف 2012، وهي بلغت في 2011 نحو 2500 دولار شهرياً، فلجأ المهربون إلى خطف المهاجرين وإرسال صورهم أثناء التعذيب إلى أهاليهم بواسطة الهواتف الخليوية، ومطالبتهم بدفع فدية لينجوا من براثنهم. وجنى هؤلاء نحو 30 ألف دولار من هذه «التجارة». وأماط بعض فرق حقوق الإنسان المحلية اللثام عن حركة تجارة أعضاء بشرية، يغذيها بتر أعضاء الرهائن وبيعها لمستشفيات في القاهرة. ومع انتشار السلاح في سيناء، انصرف البدو إلى القتال الداخلي ومحاربة السلطة المركزية، وأخفقوا في الإجماع على هدف واحد وزعامة واحدة. وموضوعات خلافاتهم كثيرة: من أرباح التهريب والخطف وأشكال التدين، وصولاً إلى الحؤول دون تبادل النساء (الزواج) خارج دائرة القبيلة الواحدة. والموت ينتظر مَن تهْرُب للزواج مع شاب من غير قبيلتها. وبرزت خلافات بين الأجيال، أي بين زعماء القبائل المسنين وشيوخ الإسلاميين الشباب، فمجالس القبائل تحتكم إلى العرف وتُلْزِم من يخرقه بالتعويض على المتضرر. ودار شد حبال بينهم وبين الإسلاميين الذين يرفعون لواء الشريعة. في توما، على مقربة من الشيخ زويد، تتواجه عشيرتان تنتميان إلى قبيلة واحدة في حرب دينية، فالقرم يتمركزون في جامعهم «السلفي» في أعلى الهضبة التي يسيطرون عليها، وهم عازمون على الانتقام من القوات المصرية التي قتلت ثلاثة منهم في 2006. وعلى رأس الهضبة المتاخمة، أنشأت عشيرة أبو جزائر زاوية للمتصوفين، ويقول زعيم أبو جزائر- وهو حفيد رجل جزائري أمّي يروي ان الرسول زاره في المنام فاستيقظ يتلو الآيات القرآنية ويقرأها- إن الإسلامويين يكفِّرون الصوفيين لتشذيبهم الذقون وتسميع آيات الذِّكر، وهو يقول إن عشيرته قد تنحاز إلى القوات المصرية لكسر شوكة عشيرة القرم. * مراسل، عن «نيويورك ريفيو أوف بوكس» الأميركية، 6/12/2012، إعداد منال نحاس