يقدّم العالِم الأميركي الأردني شهاب قرعان نموذجاً ناجحاً من علماء الجيل الثاني من العقول العربية المُهاجِرة، ممن تخرّجوا في الجامعات الأميركية ثم استثمروا علومهم وخبراتهم في الاستجابة إلى متطلّبات الأسواق، وهو منحىً ترسّخ أميركياً في ظل تصاعد الموجة الحاضرة من العولمة. ولذا، استثمر قرعان علمه في الطاقة النظيفة، صناعتها وأسواقها، وكذلك الحال بالنسبة إلى تعامله مع تحلية المياه. تخرّج قرعان في كلية الهندسة في الجامعة الأردنية عام 1990. وحصل على الدكتوراه في الهندسة الكهربائية والإلكترونيات من جامعة «سيتي» في نيويورك، إضافة إلى درجة «الإدارة التنفيذية العليا للمشاريع» Top General Management Project من جامعة «هارفرد». وبعدها، عمل في كبريات المؤسسات الأميركية، وتقلّد فيها مناصب فنيّة وإدارية رفيعة. وعُيّن مهندساً في تصميم الدوائر الكهربائية المتقدّمة Advanced Design Circuit لدى شركة «آناديجيس» Anadigis، ومديراً للتوجيه الاستراتيجي في شركة «فيرتشايلد» Fairchild (مقرّها «ساوث بورتلاند») المتخصّصة في صناعة أشباه الموصلات («سيميكوندكتورز» Semi Conductors) وتسويقها عالميّاً، إضافة إلى عملها في إنتاج نظم الطاقة النظيفة. وشغل قرعان أيضاً منصب نائب الرئيس للتسويق الاستراتيجي في شركة «سيبِكس» Sipex في ولاية كاليفورنيا، كما عمل مديراً ل «الشركة العامة للمياه والتكنولوجيا» («إنبار تكنولوجيز» ENPAR Technologies) المتخصّصة بإزالة الأيونات، وهي الذرّات المشحونة كهربائياً، من المياه. «البتراء» تنير الشوارع الأميركية لم يتوقف طموح قرعان عند حدود المناصب التي تبوأها. واستثمر قدراته علميّاً ومهنيّاً في تأسيس شركات كبيرة خاصة به، باتت تحتل مراكز متقدمة على خريطة الاستثمار في مشاريع العلم. إذ أنشأ عام 2006 شركة «البتراء لطاقة الشمس» Petra Solar، وما زال يترأسها حاضراً. وأنجزت أحد أضخم مشاريع أميركا في هذه الطاقة، نُفّذ في ولاية نيوجرسي بكلفة 600 مليون دولار. واستخدمت فيه ألواح شمسية من النوع الذي يحوّل النور كهرباء بصورة مباشرة (تُسمى «كهروفولطية» Photo Electric). ورُكّبَت الألواح على 200 ألف عمود كهرباء، ما أعطى طاقة نظيفة ل6 من أكبر مدن ولاية نيوجيرسي، ضمنها 300 مجمع سكني. في مقابلة مع «الحياة»، أوضح قرعان أن عمل ألواح الشمس في المشروع لم يقتصر على تحويل طاقة الشمس إلى كهرباء وتغذية الشبكة الرئيسة للولاية، بل تضمّنت أيضاً تشبيكاً لاسلكيّاً لتلك الألواح، ما يضمن عملها بصورة مُنسّقة. وأضاف: «بادرنا إلى الجمع بين طاقة الشمس وتقنية الشبكات الذكيّة في الاتصالات، ما سمح بإنتاج طاقة ضوئية- كهربائية بطرق فعّالة ورخيصة»، مشيراً إلى أن هذا النظام الجديد يولّد الكهرباء في غضون دقائق من تركيبه، ما يخفض المساحات المستعملة في نشر ألواح الشمس. وكشف قرعان أن «البتراء» حصلت على جائزة ب2,9 مليون دولار، وتعمل حالياً مع 15 مرفقاً كهربائياً في عدد من الولايات الأميركية، مستثمرة 3,3 مليون دولار في المعدات والآلات ولوازم التخطيط والتصميم وغيرها. وأكّد أن استثمارات «البتراء» في القطاع الخاص تتجاوز 8 ملايين دولار سنوياً، ويعمل فيها ما يزيد على 164 موظفاً. ولفت إلى مكانة بعض المؤسّسات المستثمرة في «البتراء»، ك «صندوق الشركة العالمية للتكنولوجيا النظيفة» و«نوكيا للمشاريع» و«صندوق الجيش الأميركي» و«الصندوق الكويتي للتنمية». تحلية المياه تملّك قرعان حلمٌ بأن يحقّق إنجازاً في الطاقة الذكيّة في وطنه الأردن. فوقّعت «بترا سولار» مع الحكومة الأردنية مشروعاً تحت اسم «فليشرق الأردن» يقضي باستخدام طاقة الشمس الذكيّة في توليد كهرباء لإنارة أربع محافظات أردنية. وبوشر بتنفيذ المرحلة الأولى عبر تثبيت نظام ذكي للطاقة الشمسية على أسطح الوحدات السكنية في 32 بلدة وقرية في محافظة الطفيلة (مسقط رأس قرعان). وعن توطين هذه التقنية أردنيّاً، أكّد قرعان أن الأردن لديه ميّزات كبيرة في مجال طاقة الشمس، ما يؤهّله لأن يصبح مركزاً إقليمياً للتقنيات الكهروضوئية المتقدّمة في نُظُم طاقة الشمس الذكيّة. وشملت تطلّعات قرعان الدخول إلى الشأن البيئي. ومع تأسيسه شركة «سنابل المياه» الأميركية، انخرط في تقنيات معالجة المياه المالحة والملوثة، عبر استعمال «المُكثّف الكهربائي» الذي يمثّل تقنية متطوّرة في إزالة أيونات المعادن، كالنحاس والرصاص. ويتميّز «المُكثّف» بكفاءته المتقدّمة، مع استهلاك منخفض للكهرباء. وتوسّع قرعان في الحديث عن أهمية «المُكثّف الكهربائي»، مشيراً إلى أنه يزيل الأملاح من المياه باستخدام دوائر إلكترونية دقيقة لا تظهر للعين المجردة. ولفت إلى أن هذه التكنولوجيا تُسهّل تصنيع وحدات صغيرة تصلح للعمل في الأماكن السكنية، بأسعار زهيدة، إضافة إلى إمكان استعمالها على نطاق إقليمي ودولي لتحلية مياه البحر بكلفة تصل إلى نصف ما يتطلّبه الأمر عند استعمال تقنيات تقليدية. وأشار قرعان إلى أن تكلفة تحلية المتر المكعب من مياه البحر بتقنية «المُكثّف الكهربائي»، تلامس 35 سنتاً، مع التشديد على أنها صديقة للبيئة ولا تحتاج إلى ضغط ماء عالٍ، ولا إلى مضخّات كبيرة، إضافة إلى تدني كلفة قطع غيارها. ولفت القرعان إلى أن منطقة الخليج العربي معنية بحل أزمة المياه التي تعتبر من التحديات الكبرى في تلك المنطقة. وقال: «لدى دول الخليج العربي القدرة على امتلاك التكنولوجيات الحديثة، ما يمكّنها من التوقّف عن استيراد التقنيّات اللازمة لتحلية مياهها وتنقيتها». وشدّد قرعان على أن الدول العربية تملك فرصة ذهبية لاستثمار طاقة الشمس في تقنيات تحلية المياه، مُشدّداً على أن المياه والطاقة هما عنصران متكاملان في التنمية المستدامة.