جذبت عوالم الكهرباء والإلكترونيات المهندس عيسى بطارسة (1961 - الأردن)، بعيد وصوله في العام 1980 إلى أميركا. فانخرط في دراسة متخصصة في جامعة «إلينوي» بشيكاغو. ونال شهادة الدكتوراه في علوم الهندسة الإلكترونية وتنظيم الطاقة الكهربائية والمتجددة. وتشير الوثائق الأكاديمية والعلمية الأميركية إليه باعتباره من ألمع العلماء العرب الشباب العاملين في تصميم الأجهزة الإلكترونية الذكية وتكييفها مع العمل في تحويل الطاقة وتنظيمها، إضافة إلى حديثها عن براعته في صنع أجهزة متخصصة تتميز بخفة وزنها وصغر حجمها وكفاءتها المرتفعة. 16 اختراعاً بدأ بطارسة مسيرته مهنياً كأستاذ زائر في جامعة بيرديو Purdue في مدينة هامند بولاية إنديانا، لسنة دراسية كاملة. ثم انتقل إلى جامعة وسط فلوريدا، حيث عمل أستاذاً مساعداً في الكهرباء والإلكترونيات. وترقى إلى منصب مساعد عميد للدراسات العليا في الهندسة الإلكترونية في الجامعة ذاتها، عام 1996. وفي 2001، حصل على لقب بروفسور. ويترأس راهناً قسم الهندسة الكهربائية وعلوم الكومبيوتر في جامعة وسط فلوريدا. وخلال هذه المسيرة العلمية التي تجاوزت العقدين، عمل بطارسة في مجموعة من البحوث العلمية، لقي بعضها تمويلاً من جهات أميركية رسمية مثل وزارة الطاقة وسلاح الجو والجيش و «وكالة الفضاء والطيران الأميركية» (ناسا)، إضافة إلى بعض الشركات الخاصة. واستطاع ان يحقق انجازات تكنولوجية رائدة. وفي لقاء مع «الحياة»، اوضح بطارسة أنه حصل على 16 براءة اختراع، مسجّلة باسمه لدى دوائر المحفوظات الأميركية الرسمية. ومُنِحت هذه البراءات لمجموعة من الابتكارات التي تضمنت تصميم دائرة كهربائية تساعد في التحكّم رقمياً بالطاقة، ما يؤدي لرفع كفاءة التعامل مع التيار الكهربائي الثابت في أجهزة الكومبيوتر. وتتضمن قائة ابتكاراته جهازاً لتحويل الكهرباء الثابتة إلى تيار متناوب، بواسطة مبدّل متطوّر، من دون اي خسارة في الطاقة. ويستخدم هذا المحوّل راهناً في كثير من المنازل والمصانع والشركات وغيرها. وابتكر بطارسة أيضاً جهازاً لتحويل التيار المتناوب في شبكة الطاقة العادية إلى تيار ثابت. وقد بات الجهاز جزءاً من حواسيب المكتب وآلات شحن الأجهزة الإلكترونية. وتعاقدت شركة «إنتل» Intel، عملاقة صناعة الرقاقات الإلكترونية، مع بطارسة، فحصلت منه على محوّل مبتكر يزيد من كفاءة التيار الكهربائي، ما يؤدي الى تخفيض كبير في كمية الطاقة التي يستهلكها الحاسوب، خصوصاً الكومبيوتر المحمول. وابتكر بطارسة أيضاً جهازاً يستخدم الطاقة المخزونة في المحرك الكهربائي، لتحسين تحويل الطاقة، إضافة الى أداة تمكّن من نقل الطاقة من مصدر معين بعد تجزئتها الى قسمين، فيُحوّل قسم من الطاقة من طريق مُبدّل، وينقل الآخر إلى الجهاز مباشرة. وكذلك استنبط جهازاً يضاعف قوة التيار الساري في أجهزة الاتصالات، ما يزيد في اقتصاد الطاقة. وتتولى شركة «إميرسن» الأميركية تصنيع هذا الجهاز راهناً. وفي الاتجاه نفسه، صنع بطارسة محولاً كهربائياً سريعاً يعمل كمصدر احتياطي في الظروف الطارئة. وتعكف شركة «إنتل» على دراسة هذا الجهاز، بهدف تصنيعه. وشدّد بطارسه على ان مختبره يركّز على دعم البحوث في مجال الطاقة المتجددة، خصوصاً الشمسية منها، للمساهمة في حل أزمة الطاقة عالمياً، ولحماية البيئة من ثاني أوكسيد الكربون. وأشار إلى ان جامعة وسط فلوريدا شاركت في مشروع مهم يقضي بإنشاء مركز للطاقة، تصل كلفته إلى قرابة 50 مليون دولار، يذهب مليونان منها الى فريق العمل الذي يقوده بطارسة. وأوضح أيضاً أنه ينكب راهناً على بحوث مدعومة من قِبل وزارة الطاقة الأميركية لتصميم دوائر كهريائية تشرف على عمليات تحويل التيار، ومُزوّدة بقدرات الاتصال اللاسلكي، وبأجهزة حماية وتحكم لربطها بشبكة الكهرباء العامة بصورة ذكية. وشرح بطارسة أهمية بحوثه ومرودها مادياً ومعنوياً، مشيراً إلى الاهتمام البالغ الذي تبديه كثير من الشركات الأميركية، خصوصاً تلك التي تتعامل مع البحوث الجامعية المتقدمة. وبيّن أنه ساهم في تأسيس شركة خاصة، اسمها «بترا سولار» Petra Solar ، بمشاركة زميله المهندس شهاب قرعان. واستطاع الشابان الحصول على تمويل أول من ثلاث شركات استثمارية كبرى، قيمته 14 مليون دولار. وأكّد بطارسة أن هذ الشركة سيكون لها مستقبل واعد في مجال استغلال الطاقة الشمسية. عودة الى الجذر العربي وأبدى بطارسة اعتزازه بحصول شركة «بترا سولار» على عقد عمل لمشروع أول من نوعه عالمياً يرمي إلى وضع محوّل كهربائي للطاقة الشمسية على كل عمود كهرباء في ولاية نيوجرسي، ما يعني أنه يشمل قرابة 200 ألف عمود. وتقدر كلفة المشروع بقرابة 200 مليون دولار. وتوقّع ان تُعمّم هذه الفكرة المبتكرة على ولايات أميركية أخرى، وربما بلدان اخرى أيضاً. تلقى بطارسة عدداً وافراً من الجوائز والتنويهات من بينها ترقيته الى رتبة زميل، في العام 2005، في «المؤسسة العالمية للهندسة الكهربائية والإلكترونية» التي تضم في عضويتها 350 ألف مهندس، تصل نسبة الحائزين على رتبة زميل بينهم الى واحد في المئة. وسبق له ان حصل على الرتبة نفسها من مؤسسة أوروبية مماثلة ل «المؤسسة العالمية»، في العام 2004. وكذلك حاز لقب «أفضل باحث قدم ورقة علمية» في المؤتمر العالمي للهندسة الذي عقد في كوريا الجنوبية عام 2006. ونال أيضاً جائزة أفضل تصميم إلكتروني، من قبل وزارة الطاقة الأميركية. ونشر بطارسة قرابة 300 بحث في مجلات علمية متخصّصة، منها قرابة 30 بحثاً أكاديمياً عن طُرُق التعلّم عن بُعد. كما ترأّس مؤتمرين في فلوريدا (2007)، أحدهما عن الإلكترونيات والدوائر الكهربائية، والآخر عن الطاقة المتجددة. ووضع كتاب اسمه «باور إلكترونك سيركويتس» Power Electronic Circuits، وهو مخصّص لطلاب الماجستير في الهندسة الكهربائية والإلكترونية. ووضع كتاباً إلكترونياً عن التقنيات الإلكترونية، يصل عدد صفحاته إلى عشرة آلاف صفحة، كما يحتوي آلافاً من الصور والمعادلات والرسومات البيانية. ويعتمد هذا الكتاب على طريقة فريدة في تصميمه، تسمح للطالب بطرح الأسئلة وحل الأمثلة والتدرّج في قراءة الاحتمالات الصحيحة. وتساهم في تغطية نفقاته «مؤسسة العلوم الوطنية للبحث العلمي» بمبلغ مئتي ألف دولار. أبدى بطارسه حرصاً على التعاون وبناء الجسور مع الجامعات ومراكز البحوث في الأردن والعالم العربي، انطلاقاً من إحساسه ب «مسؤولية وطنية وقومية». وأوضح أنه يحرص على التواصل الدائم مع الأردن، كما ينظم وُرَش عمل وبحوث مشتركة بين طلبة في جامعات أميركية، ونظرائهم في «جامعة العلوم والتكنولوجيا» الأردنية، تتركز على تعزيز الهندسة الإلكترونية وتحويل الطاقة. وكذلك أشرف على بحوث مشتركة بين تلك الجامعة الأردنية والجامعة الأميركية في بيروت حول تحويل الطاقة الشمسية. وساهم بطارسة في مشروع لتبادل الطلاب الأردنيين والأميركيين بين جامعتي «الأميرة سُميّة للتكنولوجيا» و «وسط فلوريدا»، يستفيد منها 8 طلاب اردنيين سنوياً، يُرسَلون إلى أميركا على نفقة «المؤسسة الوطنية الأميركية للعلوم». وشارك بطارسة في كثير من المؤتمرات العلمية العربية في السعودية والإمارات، وفي تدريب مجموعة من المهندسين في «مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا»، وفي بحوث مشتركة عن الطاقة المتجددة في «جامعة الطيبة» في المدينةالمنورة. وساهم في تأسيس «المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا» التي تتخذ من الشارقة مقراً لمركزها الرئيس. واعتاد بطارسة على ممارسة أنشطة غير علمية، لها طابع اجتماعي وسياسي. فقد ساهم في تأسيس «الجمعية الأميركية لمكافحة التمييز العنصري ضد العرب» American - Arab Anti Discrimination Committee، و«النادي الأردني - الأميركي» وغيرهما.