«لا يسعنا في عيد الفصح إلا أنّ نفكّر بالأرض التي عرفها المسيح. شهدت الأشهر الأخيرة جموداً وإرباكاً في محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين التي لم تثمر بعد عن أي نتيجة مرضية للأشخاص الذين هم بحاجة كبيرة إلى بارقة أمل. ويبدو أننا أمام لعبة تغيب فيها الحلول التوافقية. سيشعر جميع الأشخاص الذين يحبّون الإسرائيليين والفلسطينيين ويأملون بأن يحظوا بالأمن بيأس كبير أكثر من أي وقت مضى». جاءت هذه الكلمات على لسان الدكتور روان وليامز، رئيس أساقفة الكنيسة الأنغليكانية في عظة عيد الفصح. وشغل وليامز هذا المنصب منذ عام 2002 وكان متميزاً خلال فترة اختبار واضحة لهذه الكنيسة. كما يعتبره عدد كبير من الأشخاص مفكّراً مرموقاً. ولم يتوقف وليامز الذي كان رئيس أساقفة مقاطعة ويلز عن تحدّي الحكومة الحالية حول المسائل الأخلاقية والدينية التي تواجه بريطانيا والتي أثارت جدلاً كبيراً. وقام بذلك بطريقة ديبلوماسية وبقوة وفاعلية كبيرة. وكان التوقيت الذي يختاره للتعبير عن آرائه مناسباً وتُجمع شريحة واسعة من الشعب على حكمة أقواله. قبل حلول عيد الميلاد عام 2006، قام وليامز بزيارة إسرائيل مع الكاردينال كورماك ميرفي-أوكونور الذي كان ورئيس الكنيسة الكاثوليكية في إنكلترا. وقد عمل رئيسا الكنيستين مع بعضهما بشكل وثيق على مدى سنوات حول مسائل مرتبطة بالشرق الأوسط. وأرسل وليامز إلى صحيفة «التايمز» مقالاً بعنوان «يجب ألا ننسى معاناة المسيحيين العرب» من بيت لحم، المدينة المنكوبة والمدمّرة في الضفة الغربية التي انخفض عدد المسيحيين فيها إلى الربع. وجاء في المقال «يجب أن نصلي في عيد الميلاد من أجل مدينة بيت لحم الصغيرة ويجب أن نفكّر في الأشخاص الذين يواجهون المخاطر بسبب قصر بصرنا وجهلنا ...» وجّه الدكتور وليامز باستمرار انتقادات لاذعة للحرب التي شُنّت في العراق، الأمر الذي أثار انزعاج رئيس الوزراء حينها توني بلير. وتابع الدكتور وليامز في المقال نفسه الذي نشرته صحيفة «التايمز»: «تمّ تجاهل التحذير الذي أُطلق خلال الأيام الصعبة التي سبقت حرب العراق ومفاده بأنّ التحرّك العسكري الغربي في ذلك الوقت وبهذه الطريقة من شأنه وضع المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط برمّتها في خطر. فقد يتمّ اعتبارهم داعمين للغرب الصليبي. وتساءل البعض: ألا يترتب علينا وضع استراتيجية لكيفية معالجة هذا الأمر؟» وأضاف «لم نكن نملك استراتيجية. ويبدو أنّ النتائج التي حُصدت تضاف اليوم إلى الوضع الصعب الذي تعانيه المجتمعات المسيحية في أنحاء المنطقة. ينخفض عدد المسيحيين في العراق بالآلاف في كلّ شهر كما تمّ إجبار بعض زعمائهم الفاعلين على الهجرة. وفي إسطنبول، بات المسيحيون الأورثوذوكس يشكّلون أقلية فيما تتوجّه الصحافة التركية إلى البطريرك بالقول إنه حان وقت رحيله». كانت الكنيسة الأنغليكانية منقسمة خلال فترة تولي وليامز منصبه كرئيس أساقفة حول مسائل مختلفة مثل المثلية الجنسية والأساقفة النساء وتمّ انتقاده لعجزه عن توحيد الكنيسة ودفعها إلى معالجة مسائل أكثر أهمية بالنسبة إلى الشعب في المملكة المتحدّة. لقد حاول بقوة توحيد الكنيسة حتى أنه اضطر أحياناً إلى المجازفة بقناعاته الشخصية. ويبدو أنّ منتقديه التقليديين معجبون بإيمانه الواضح. فيما يبدو الأشخاص الذين يملكون وجهة نظر أكثر ليبرالية معجبين بإنسانيته وبدفئه، غير أنهم يشعرون أحياناً بأنه لا يدعمهم بشكل كاف. ويتساءل البعض خارج بريطانيا حول قيادة الجالية الأنغليكانية في العالم التي تضم 80 مليون شخص. وفي أفريقيا وأميركا، يعتبر عدد كبير من الأشخاص أنه حان الوقت كي تقوم الجالية الأنغليكانية بترتيبات أكثر تناسباً مع هذا القرن. وحين أعلن الدكتور وليامز أنه سيستقيل من منصبه كرئيس أساقفة كانتربري في نهاية العام، حظي بانتباه كبير وبقدر من التعاطف لأنه اعتبر أنّه ينبغي على خلفه أن «يتمتع ببنية ثور وبجلد وحيد القرن». ومن المرجّح أن يخلفه رئيس أساقفة مقاطعة يورك جون سنتامو الذي ذكرت مجلة «الإيكونوميست» في 24 آذار (مارس) الماضي انه قام ب «مساعدة عائلات الجنود البريطانيين وصام تعاطفاً مع ضحايا الاعتداء الإسرائيلي على لبنان عام 2006». ويتمتع هذا الأسقف الذي ولد في أوغندا بكاريزما كبيرة. * سياسي بريطاني ونائب سابق