لماذا تمديد خدماتهم ؟!    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيسة مجلس الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني    المالكي يهنئ أمير منطقة الباحة بالتمديد له أميرًا للمنطقة    البيئة تؤكد وجود منظومة متكاملة لضمان سلامة اللحوم    أخيراً    تحديد موقف ميتروفيتش وسافيتش من لقاء القادسية    هيئة الهلال الأحمر السعودي بمنطقة الباحة جاهزيتها لمواجهة الحالة المطرية    «ليلة صادق الشاعر» تجمع عمالقة الفن في «موسم الرياض»    "افتتاح بينالي الفنون الإسلامية 2025 في جدة بعنوان "وما بينهما"    كيف تصون أنوثتها وتتفادى الاختلاط؟    شركة الكهرباء تحقق بأسباب انقطاع خدماتها في جنوب المملكة    الاتفاق يتعادل إيجابياً مع الوحدة في دوري روشن للمحترفين    أمير منطقة الرياض يتوج الفائزين بكؤوس الملك عبد العزيز وخادم الحرمين الشريفين للخيل    هالاند: عمر مرموش يمتلك أشياء مميزة    الأهلي يكرم 10 أساطير    النفط ينهي أربعة أسابيع من المكاسب وسط خطط تعزيز الإنتاج الأميركي    ضبط (3) مواطنين في ينبع لترويجهم الإمفيتامين والحشيش    انقطاع مفاجئ للكهرباء يعطل الحياة في الجنوب لأكثر من 6 ساعات    التعليم.. بناءٌ للمجتمعات وتنمية مستدامة    أصحاب السمو والمعالي يشكرون القيادة على تمديد خدماتهم    «الحج والعمرة» تفوز بجائزة «WSA»    عبور 54 شاحنة إغاثية سعودية جديدة مقدمة للشعب السوري عبر الأردن    خدمات إسعافية على مدار الساعة في الحرم    السعودية تدخل «غينيس» للأرقام القياسية وتتوج الفائزين بكأس العالم للدرونز    آل الشيخ يلتقي رئيس وفد مملكة كمبوديا المشارك في مؤتمر آسيان الثالث    اعتداءات واقتحامات إسرائيلية لمنازل الأسرى الفلسطينيين المحررين    المملكة تختتم مشاركتها في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي 2025    الوجبات منخفضة السعرات شرط تقديم سفر الإفطار بالحرم    رئيسة مجلس الوزراء الإيطالية تصل إلى جدة    لأول مرة منذ 6 أشهر.. تراجع ثقة المستهلكين بأمريكا    آل الشيخ يلتقي رئيس وفد مملكة ماليزيا المشارك في مؤتمر آسيان الثالث    روسيا: تخفيض سعر العملات أمام الروبل    لوران بلان يُعلن موقف كانتي وديابي من لقاء ضمك    زيلينسكي يطلب من حلفائه العمل على "صيغة" لمحادثات سلام مع روسيا    مدير تعليم جازان يرفع التهنئة للأمير محمد بن عبد العزيز بمناسبة تمديد خدمته نائبًا لأمير المنطقة    ضيوف الملك: ريادة المملكة عالميا فخر للمسلمين    250 زائرا من 18 دولة أفريقية يزورون مجمع الملك فهد لطباعة المصحف    "على ظهور الإبل" رحّالة بريطانيين يقطعون 500 كم داخل محمية الملك سلمان الملكية    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تُتًوج بكأس قوى الجامعات    «المنافذ الجمركية» تسجل أكثر من 950 حالة ضبط خلال أسبوع    الهند تحقق في مرض غامض أودى ب17 شخصاً    الداخلية : ضبط (22555) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    تقلل خطر الإصابة لدى النساء.. ثورة واعدة لعلاج سرطان عنق الرحم    استمرار هطول أمطار على عدد من مناطق المملكة    ترمب يغيّر اسم خليج المكسيك    كائنات مخيفة تغزو جسد رجل !    اكتشاف قمتين أطول من إيفرست ب100 مرة !    مصر: التحقيق مع فرد أمن هدد فنانة مصرية    حورية فرغلي تستعد لتركيب «أنف اصطناعي»    غوتيريش يدين احتجاز الحوثيين لسبعة من موظفي الأمم المتحدة    الموسيقار العالمي هانز زيمر يبهر جمهور "موسم الرياض" في ليلة ابداعية..    «ميتا» تعتزم استثمار أكثر من 60 مليار دولار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي    شامخات القصيد في معرض الكتاب بالقاهرة.    الربيعي تحصل على المركز الثاني في مسابقة بيبراس للمعلوماتيه    مدرب الأهلي "ماتياس": الجميع يعمل لتدعيم صفوف الفريق    بعد «سره الباتع».. فيلم جديد يجمع رانيا التومي مع خالد يوسف    الأمير محمد بن سلمان يُعزي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ فاضل الصباح    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين ك"منظمة إرهابية أجنبية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العرب بين المخفر والمسجد
نشر في الحياة يوم 09 - 08 - 2009

في تفسيره العلاقة بين العنف والحداثة بما في ذلك منتجها السياسي الأهم وهو الدولة الحديثة، أو الدولة الأمة nation-state، يرى أنتوني غيدنز، عالم الإجتماع البريطاني المعروف، أن الحداثة بشكل عام هي نتاج صيرورات أربع: تزايد الرقابة والضبط surveillance، المبادرة الرأسمالية capitalist enterprise، الإنتاج الصناعي، وترسخ السيطرة المركزية على وسائل العنف. ما تتوقف عنده هذه المقالة، استفادة من تنظير غيدنز، هو ما يتعلق بسيطرة الدولة على العنف. فجانب من تفسيره وتفسير الكثيرين غيره من علماء الإجتماع لمعنى الدولة الحديثة يقوم على أنها المُحتكر الوحيد لإستخدام العنف في أي بلد من البلدان، وهو استخدام مرتبط بمفهوم السيادة. لذلك فلا مجال لإستخدام العنف أو إمتلاك وسائله من قبل أي طرف آخر سوى الدولة.
ويتجاهل هذا المفهوم المبني على الواقعية السياسية عن قصد، شكل النظام السياسي في الدولة، وفي ما إن كان ديموقراطياً أو إستبدادياً. وبالتالي فإنه لا يتم سحب شرعية السيطرة على وسائل العنف واستخدامه من قبل النظام الاستبدادي، إقراراً بسيادتها الشاملة، رغم إدانة طبيعة ذلك الاستخدام القمعية. ولأن إحتكار استخدام العنف قد تلحّف بالسيادة التي تعاظم تقديسها في عالم ما بعد الحرب العالميتين، فقد ظهرت حالات كارثية لقمع الدول مواطنيها وصلت إلى مستوى الإبادة الجماعية. لكن هذا التجاهل للاستخدام القمعي للعنف من قبل الدولة المستبدة تعرض إلى إعادة نظر عميقة في حقبة ما بعد انتهاء الحرب الباردة. فهنا تطورت مفاهيم جديدة من العولمة السياسية أهمها القانون الدولي الإنساني الذي حاول أن يضع حدوداً ولأول مرة على سيادة الدولة إزاء مدى استخدام العنف ضد مواطنيها، وبدأ بتشريع آليات تدخّل دولية للدفاع عن حقوق الشعوب المقموعة من قبل أنظمتها (مع الأخذ بالاعتبار إمكانية سوء استخدام هذه الآليات). مع ذلك فقد بقيت الدولة الحديثة وبالتعريف الطرف الوحيد الذي يحق له شرعية استخدام العنف، رغم ما تتعرض له طبيعة ممارسة هذه الشرعية من انتقاد أو محاولات تقليص.
وهناك أيضاً فهم إضافي لمسألة العنف والأمن في الدولة الحديثة يتحدث عنه غيدنز وآخرون، ويتعلق بالرقابة والضبط. فالدولة الحديثة والمجتمع الحديث يمتازان بكثافة التبادلات البينية وتعقيد البنى الاقتصادية، والسياسية، والقانونية. إضافة إلى أن هذه الدولة تمتاز، كما هو العالم الحديث، بكثافة سكانية غير مسبوقة. كل ذلك أدى إلى إنتاج آليات معقدة ومركبة للسيطرة المباشرة وغير المباشرة، وإبداع أساليب للرقابة الأمنية للأفراد، وفتح سجلات لكافة السكان، واعتماد أرقام وطنية، وضبط المجموع الكلي للسكان وفق أنظمة وقوانين وآليات كان وما زال الزعم من ورائها هو ضمان حدود دنيا للاستقرار. تعرض البعد الأمني الضبطي والرقابي المرافق لنشوء الدولة الحديثة إلى نقد قاس وهجوم فلسفي ونظري متواصل تزعّمه الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو وأقطاب مدرسة ما بعد الحداثة.
ما يهمنا هنا وبعيداً عن السجالات النظرية لعلاقة الدولة الحديثة المتقدمة بالأمن هو علاقة الدولة الحديثة النامية أو الفقيرة بالأمن، ومنها الدولة العربية. في الدولة الحديثة الغنية والمتقدمة يعتمد تطبيق الرقابة والضبط surveillance على استخدام مفهوم الأمن اللين soft security، أو الأمن غير المباشر، أو الأمن عن بعد. وهذا يتم عبر استخدام آليات الضبط غير المباشرة وغير المرئية: التنصت، التصوير، بنوك المعلومات المعقدة، بيانات الأفراد الكمبيوترية، مراقبة الحركة الفردية من دون إشعار الأفراد بالرقابة وسوى ذلك. في الدولة الحديثة المتقدمة لا يشعر الفرد بوطأة الرقابة الحكومية أو الاستخباراتية لأنها تتم عن بعد (by remote control)، وتتوفر موارد مالية وبشرية ومهارات وتقنيات تؤمن تبني ذلك النوع من الرقابة. إضافة إلى ذلك تخضع تلك الوسائل الرقابية والضبطية، في غالب الأحيان على الأقل، لرقابة تشريعية وتحتاج دوماً إلى شفافية قانونية. يصعب أن يستخدم طرف سياسي أو حزب حاكم في الدولة المعنية أدوات الرقابة والضبط التابعة للدولة لملاحقة طرف سياسي شرعي آخر، أو حزب سياسي منافس. هناك تجاوزات بطبيعة الحال لكن إن حدثت يكون صدى فضحيتها مدوياً، وخسائرها مدمرة للطرف الذي قام بسوء الاستغلال كما حدث في فضيحة ووترغيت الشهيرة في أوائل السبعينات حيث استخدم الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون مؤسسات الاستخبارات الحكومية للتنصت على خصومه من الحزب الديموقراطي.
في البلدان الفقيرة والنامية تطور مفهوم الأمن والرقابة والضبط في سياقات مختلفة. السياق الأول متعلق بالتعريف، فهذه الدول جميعها، أو أغلبها على الأقل، تفتقر إلى شرعيات تأسيسية راسخة يتولد عنها أنظمة سياسية ديموقراطية، أو فيها فصل حقيقي للسلطات. انعكس هذا على تعريف معنى الأمن الوطني، الذي لفه الغموض والارتباك والتداخل. في معظم الحالات تبلور مفهوم الأمن الوطني في حضن النخبة الحاكمة غير الديموقراطية، ليصبح الاسم الحركي لأمن تلك النخبة والحفاظ على مصالحها. قد تكون تلك النخبة الحاكمة حزباً، أو عائلة، أو طبقة اقتصادية، أو مؤسسة أمنية وعسكرية، أو جماعة انقلابية. وفي هذه الحالات يتم صوغ مفهوم الأمن الوطني ليعكس مصالح من يسيطر على الحكم، بغض النظر عن مدى شرعيته.
السياق الثاني متعلق بعدم القدرة على تبني آليات للأمن اللين. فبسبب فقر هذه الدول عموماً، وإفتقارها إلى الموارد اللازمة، والتقنيات المتطورة، وغياب ثقافة عميقة حول معنى الأمن وعلاقة النظام الأمني بالمواطنين، تطورت آليات ضبط ورقابة مباشرة اعتمدت على الردع المباشر: الاعتقال المفاجئ، فرض هيبة أجهزة الأمن عبر العنف اللفظي وأحياناً الجسدي، الاعتقال الإداري، التعذيب، عدم التوظيف لأسباب أمنية وهكذا.
وفي كثير من الحالات كانت المسؤوليات الأمنية تتجاوز الأجهزة التقليدية مثل الشرطة والمخابرات العامة، وكان الجيش يُستدعى للمشاركة في القمع، وهو المُفترض فيه الحياد والتفرغ للدفاع عن سيادة البلد ضد أي تهديدات خارجية.
السياق الثالث متعلق بغياب الديموقراطية واستمرار الأنظمة الاستبدادية. ففي معظم الدول العربية والإسلامية تعمق السياقان المذكوران أعلاه، أي ارتباط مفهوم الأمن بالدفاع عن أمن النخبة الحاكمة، واعتماد آليات ضبط ورقابة مباشرة تعتمد على الردع المباشر والقمع، في ظل غياب أي محاسبة شعبية أو مناخ ديموقراطي.
من الصعب هنا إجمال كل الجوانب الأساسية المتعلقة بدمقرطة القطاع الأمني، لكن من المهم على أقل تقدير الإشارة إلى أهم تلك الجوانب. وربما كان الجانب الأول في هذا السياق هو كسر تابو تحريم الحديث حول هذا الموضوع باعتباره الخطوة الافتتاحية، وإطلاق النقاش حوله وفتحه للحوار العام بكونه أمراً لا مناص عنه. يلي ذلك القول إن القطاع الأمني يشكل في حالة الدولة العربية العصب الحساس والعمود الفقري، والنقاش حوله يجب أن يتم بمسؤولية عالية.
فرغم أن دولة القمع البوليسي هي التي كانت، مع الأسف، «النموذج» الذي تسيّد معظم الحالات العربية، فإن تراكم عقود من التجربة أنتج اختلالات بنيوية في طبيعة الدولة قائمة ومتأسسة على ذلك العمود الفقري. والخلاصة الحالية لكثير من تلك الحالات هي أن بناء الدولة منحرف باتجاه الأمن، ولا يتصف بالتوازن المطلوب، لكن الخلخلة غير المسؤولة للعمود الفقري لذلك البناء، على انحرافه، قد تؤدي إلى انهيار البناء بأكمله، عوض أن تؤدي إلى استقامته وتوازنه. ومن هنا ضرورة أن ينطلق النقاش من مسؤولية وطنية وليس من حزبية ناقمة أو طائفية ثأرية قد تؤدي إلى خراب وانهيار كامل بدل أن تحقق الإصلاح. والأمثلة العربية ماثلة أمامنا حيث يترحم الناس على «السيئ» الذي ثاروا ضده وأرادوا التخلص منه لأن ما حل بعده كان «الأسوأ».
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.