ولي العهد والرئيس الفرنسي يبحثان هاتفياً تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية    شرطة الرياض تضبط 14 يمنيا استغلوا 27 طفلا في التسول    إطلاق معسكر "مستقبل الإعلام في الذكاء الاصطناعي التوليدي"    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام لدولة الكويت    الأخضر السعودي تحت 20 عاماً يخسر أمام العراق في كأس آسيا    مناقشة مجالات التعاون بين المملكة والصين ضمن رؤية 2030    رئاسة الشؤون الدينية تدشن الخطة التشغيلية لموسم شهر رمضان    إحباط تهريب 240 كيلوغراماً من نبات القات في جازان    أمير جازان يدشن حملة التطعيم ضد شلل الأطفال ويعطي الجرعة الاولى لأحد الأطفال    سمو وزير الرياضة يتوّج البريطاني "رولاند" بلقب الجولة الرابعة من سباق جدة فورمولا إي بري 2025    «مرموش» جا يطل غلب الكل    بموافقة الملك.. «الشؤون الإسلامية» تنفذ برنامج «هدية خادم الحرمين لتوزيع التمور» في 102 دولة    الرئيس التونسي يثمن الجهود المستمرة لتحقيق التكامل الأمني بين الدول العربية    سليمان محمد السليم... في ذمة االه    القوات البحرية‬ ونظيرتها الباكستانية تنفذان رماية بالصواريخ في تمرين «نسيم البحر 15»    2 % معدل التضخم في المملكة.. ضمن الأقل بين دول «G20»    إطلاق خدمة تفعيل نظام دخول الشاحنات للشرقية بمواعيد إلكترونية    الطرق تبدأ استخدام معدة المسح التصويري الرقمي المتحرك    ارتفاع عدد قتلى تدافع بمحطة قطارات نيودلهي ‬إلى 18 على الأقل    مي كساب: تأجيل عرض «نون النسوة» إلى بعد رمضان    بريطانيا تعجل بنشر استراتيجية لتعزيز قطاع الصلب بسبب رسوم جمركية أمريكية    أمير نجران يكرّم مدير فرع هيئة حقوق الإنسان بالمنطقة سابقاً    آل الشيخ: نعتزُّ بموقف السعودية الثابت والمشرف من القضية الفلسطينية    الكرملين: واشنطن وموسكو تركزان على السلام    انطلاق اختبارات الفصل الدراسي الثاني في مدارس تعليم الرياض    بعد هدف وتمريرتين حاسمتين.. الصحافة الإسبانية تتغنى بأداء بنزيما    جمعية الذوق العام تنظم مبادرة "ضبط اسلوبك" ضمن برنامج التسوق    استشهاد ثلاثة فلسطينيين في قصف إسرائيلي على رفح    السعودية تعرب عن دعمها الكامل للإجراءات التي اتخذها لبنان لمواجهة محاولات العبث بأمن مواطنيه    الذكاء الاصطناعي ودور المترجم البشري    "كبدك" تقدم الرعاية لأكثر من 50 مستفيدًا    أمطار رعدية وسيول في عدة مناطق    قمة «IAAPA» في الرياض.. مركز عالمي للوجهات الترفيهية    جدد رفضه المطلق للتهجير.. الرئيس الفلسطيني أمام القمة الإفريقية: تحقيق الأمن الدولي يتطلب دعم مؤتمر السلام برئاسة السعودية    السجن لمدة شهرين للمخرج المصري محمد سامي    عدم تعمد الإضرار بطبيعة المنطقة والحياة البرية.. ضوابط جديدة للتنزه في منطقة الصمان    استمع إلى شرح موجز عن عملهما.. وزير الداخلية يزور» الحماية المدنية» و» العمليات الأمنية» الإيطالية    رسميا.. الهلال يطالب بحكام من النخبة لإدارة مبارياته    الأرصاد: الأجواء معتدلة في رمضان    23 ألف مخالف في قبضة الأمن خلال أسبوع    «نبتة مصاص الدماء» تزهر في روسيا    جبال السعودية حصن فلسطين    تحول الإعلانات إلى قوة ناعمة    تآلف الفكر ووحدة المجتمع    فجوة الحافلات    التايلاندية "جينو تتيكول" تتوج بلقب بطولة صندوق الاستثمارات العامة السعودية الدولية للسيدات    تكساس تشهد أسوأ تفش للحصبة    843 منافس في مسابقة شاعر الابداع بعنيزة    عبدالعزيز بن سعود يزور وكالة الحماية المدنية الإيطالية    "أبواب الشرقية" إرث ثقافي يوقظ تاريخ الحرف اليدوية    قصة الدواء السحري    بينالي الفنون الإسلامية    احتمالات اصطدام الكويكب 2024 YR4    كود.. مفتاح الفرص    عيد الحب: احتفاء بالمعنى الأزلي للحب    قصة نجاة في الصحراء !    الحيوانات تمرض نفسيا وعقليا    عبدالعزيز بن سعود يزور وحدة العمليات الأمنية المركزية الإيطالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إشكاليات التربية الدائمة
نشر في الحياة يوم 27 - 11 - 2012

تقول «حنة أرندت»: «ماهية التربية هي الإنجاب»، وحتى نفهم ماذا تقصد بذلك، لا بد من الإشارة إلى أمرين اثنين: الأول هو أن البشر، من بين كل الكائنات الحية الأخرى، لا يعيشون في أوساط طبيعية محايدة، كالأوكار والأعشاش وغيرها، بل يعيشون داخل عوالم يقومون بإنشائها كالمدن والقرى والدول، والإمبراطوريات، الأمر الآخر أن هذه العوالم ليست محايدة، بل كل مجموعة بشرية تعكس من خلالها تاريخها وتجربتها ومعارفها، وبضم الأمرين الأول للثاني نجد أن الإنسان لا يولد إلى الحياة هكذا بشكل محايد، بل إنما هو يولد لعالم بشري محدد وخاص.
إنطلاقاً من كوننا نولد لعوالم محددة مسبقاً من الجيل السابقين علينا، فإنها تقع على مسؤولية هذا الجيل أن يقوم ب«تربية» الجيل الجديد، والتربية هنا لا تعني تنشئة فرد قادر على أن يوفر لنفسه أساسيات الحياة، بل تعني تنشئة فرد يستطيع العيش في «العالم» الذي ولد له، ويستطيع الحفاظ على استمراره في ما بعد. بالنسبة للجيل القديم، تمثل عملية الإنجاب حال خطر وطمأنينة في الوقت نفسه. حال خطر، لأن هؤلاء المولودين هم «جدد» على هذا العالم، وبالتالي قد يكونون سبباً في خرابه، وهم أيضاً حال طمأنينة، لأنهم إذا ما تمت تربيتهم بشكل جيد، فإنهم سيسهمون بالحفاظ على العالم واستمراره، بهذا المعنى فقط تصبح ماهية التربية هي الإنجاب، وبهذا المعنى فقط يصبح للتربية بُعد سياسي، يتمثل في إنشاء جيل لا يشكل خطراً على العالم الذي بناه الأجداد في الوقت نفسه الذي يكون مؤهلاً لاستمراره.
لعل أول من فكر في التربية كمسألة سياسية هو أفلاطون، فهو حتى يبني مدينته الفاضلة، كان عليه أن يفترض التخلص من البالغين كافة في المدينة والإبقاء على من هم دون السنوات العشر، حتى يتسنى لملك المدينة الفاضلة، الملك - الفيلسوف، أن ينشئهم على ما يعتقده هو أن الطريقة الفاضلة للحياة.
تصف الفيلسوفة آمي غوتمان دولة أفلاطون بأنها «دولة عائلية»، تقوم فيها الدولة بتحديد معاني الخير والفضيلة لمواطنيها من دون أي مراعاة لما يراه الحيز الخاص للمواطنين أي الأسر، في هذه الدولة، يقوم الفضاء العام بسحق الفضاء الخاص وإجباره على الخضوع لقيمه الخاصة.
بمقابل «الدولة العائلية»، هناك «دولة العوائل»، وهذه تعمل على عكس سابقتها، فهي ترى أن مسؤولية تنشئة الجيل الجديد تقع على عاتق أسر الأبناء، ولا يحق للدولة أن تفرض عليهم كيف يقومون بتنشئة أبنائهم، في هذه الدولة ينشأ الأبناء ضمن معايير الآباء، أي أن الحيز الخاص وقيمه هي التي تسود في حين يمنع الفضاء العام من أن يفرض أي قيمة.
بين هذين النموذجين، يأتي النموذج الليبرالي الذي تسميه غوتمان «دولة الأفراد»، في هذا النموذج يكون دور الدولة توفير الحرية لجميع الأفراد في أن يحققوا ما يرونه خيراً وفضيلة بأنفسهم من دون أن تتدخل الدولة في خياراتهم، حياديتها تجاه خياراتهم لا يعني أنها محايدة، بل هي منحازة لحرية الاختيار باعتبارها القيمة التي عليها توفيرها للمواطنين وتأمينها لهم. تعترض «غوتمان» على هذه الدولة قائلة: «الأمانة أفضل من الخيانة، الإنتاجية خير من الكسل، البصيرة خير من انعدام الإحساس... نحن بلا شكل نعلي من قيمة هذه الأشياء، لأن هناك في الحياة الفاضلة ما هو أكثر من الحرية».
«غوتمان» هذه أستاذة العلوم السياسية والفلسفة، والرئيسة الثامنة لجامعة بنسلفانيا، ومقالتها التي أقتبس منها عنوانها «تربية غير ديموقراطية»، إذ تحاول في هذه المقالة أن تفتش عن أساس يسمح للدولة بأن تتدخل في غرس قيم المواطنة في المواطنين من دون أن يكون هذا التدخل عبارة عن فرض وتسلط أو عبارة عن أدلجة، كانت النتيجة التي توصلت لها هي التالي: أن فرض قيود فاضلة على اختيار الفرد لحياته لا يعني فرض نمط من الحياة عليه.
سمت هذا النموذج ب «التربية الديموقراطية»، إذ تجمع بين احترام حرية الأفراد في الوقت نفسه الذي لا تهمش فيه قيم المواطنة، وبهذا الجمع تمنع أي سلطة - سواء كانت دولة أم أسرة - من أن تستبد بتربية الفرد بل تضع حدوداً على كل سلطة، لكنها تنبه أن هذا النموذج الديموقراطي يعاني من مآزقه الخاصة أيضاً.
فعلى رغم أنه يقوم على النقاش المستمر والاحترام المتبادل، إلا أن المؤسسة التعليمية لا يمكن أن تتحرر من الفرض والتمييز، فهي حتماً ستقوم بفرض أمر لم يختره المتربون، وهي حتماً لن تعطي الجميع فرصاً متساوية لأن يكونوا مواطنين متساويين.
كما قلنا سابقاً: مع كل إنجاب طفل يعني أن هناك شخصاً جديداً في عالمنا، وعندما لا يكون عالمنا مضيافاً للأجيال المقبلة فستنقضه، فبحسب «توماس غفرسون»: كل 19 عاماً وستة أشهر يموت نصف الجيل القديم ويحل محله الجيل الجديد الذي من دونه لا استمرار لعالمنا، ولكنه باستمرار مهدد لنا، لكن يبقى السؤال معلقاً: كيف نربيه على حماية عالمنا من دون أن نفرض عليه ذلك، وكيف نقبله بعالمنا من دون تمييز؟
إن إشكالية التربية والتعليم ليست محصورة في مجالها المتعلق بحماية الحياة، وبالتالي يهتم بتطوير الجانب التي تهيئ الجيل المقبل على المنافسة في سوق العمل، إن إشكاليتهما سياسية، وهي بهذا لا بد من أن تجد حلاً سياسياً أيضاً.
* كاتب سعودي.
[email protected]
@sultaan_1


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.