غالبية السودانيين المغتربين الذين أعرفهم شخصياً، أو ألتقيهم في مؤتمرات أو مناسبات، يتمنون رحيل نظام الرئيس عمر البشير عن كرسي السلطة عاجلاً غير آجل بعد أن حكم البلاد نحو 24 عاماً، لم ينجز خلالها ما يحصّن استقرار البلاد سوى السقوط في التبعية والفشل والحصار والعقوبات لبلده والمطاردة الدولية له. والبشير هو الرئيس السوداني الذي وقّع على تشظي السودان إلى «سودانَيْن» شمالي وجنوبي، بفعل ممارساته وسياساته واستفزازاته. وعلى رغم كل ما اقترفه إلا أنه لا يزال يمسك بتلابيب السلطة ويرقص بالعصا، ويتحدى معارضيه في كل محفل، على رغم أن الأوضاع في بلاده سيئة وتزداد تعقيداً، والمستفيد الوحيد كما يرى الزميل معاوية يس هم جماعة «المحفل الخماسي» فقط. تولّى البشير السلطة إثر انقلاب العام 1989، وتعرّض حكمه لانقلابات مضادة كثيرة، أبرزها الانقلاب الفاشل في رمضان 1990، الذي قبض فيه على 28 ضابطاً، تم إعدامهم جميعاً. وفي نهاية العام 1999، حلّ البشير البرلمان، ليصبح رفيق دربه حسن الترابي أشهر المعارضين لحكومته. والخميس الماضي، أعلنت الخرطوم إحباط «محاولة» وصفتها ب «التخريبية»، هدفها اغتيال رموز الحكم، أوقفت خلالها 13 شخصية عسكرية ومدنية محسوبة على التيار الإسلامي الحاكم، أبرزها المدير العام لجهاز الأمن والاستخبارات السابق الفريق صلاح عبدالله قوش. ومنذ انفصال جنوب السودان في تموز (يوليو) 2011، تشهد البلاد حراكاً من عناصر إسلامية - عسكرية ومدنية - تدعو إلى إصلاحات وإجراء تغيير في تركيبة الحكم، ومراجعة الخيارات السياسية التي أوصلت السودان إلى مرحلة الانشطار، بل يمكن أن يتشظى أكثر. لا شك في أن ما تطرحه تلك المجاميع الشعبية من مطالبات وإصلاحات وتغييرات ومحاربة للفساد وتسوية الملفات الداخلية، هو ما تطرحه جماعات وأحزاب وتكتلات شعبية في غالبية البلاد العربية، بعضها نجح في انتزاع الحكم والبعض لا يزال يقاوم. الأكيد أن القصص والروايات القادمة من السودان كثيرة، وغالبيتها تشير إلى أن البشير يحكم السودان بقبضة أمنية، فقبل شهر تقريباً هربت الصحافية سمية هندوسة من قبضة جهاز الأمن بعد تعرضها إلى التعذيب والحرق وحلق شعرها، ووضعت في السجن مع مساجين ذكور يعانون حالات نفسية جراء التعذيب في الزنازين. الإعلام مثلاً يعاني من انعدام هامش الحرية، وتواجه الصحف الحجب والمنع، وتخضع لنوعين من الرقابة، يصطلح الإعلاميون السودانيون على تسميتهما «الرقابة القبلية» و«الرقابة البعدية». في الحالة الأولى يأتي رقيب من جهاز الأمن والاستخبارات إلى مقر الصحيفة ليراجع الصفحات ويقوم بمهمة «سوبر رئيس تحرير»، فينزع من الأخبار والمقالات ما يشاء، ويغيّر العناوين بالطريقة التي يريدها. وفي حالة الرقابة «البعدية» يقوم رجال الأمن بحجز الصحيفة في المطبعة ومصادرة العدد، ليلحقوا بالناشر أكبر قدر من الخسائر المالية والمعنوية. ومع أن السلطة أنشأت مجلساً للصحافة والمطبوعات لضبط أداء الصحف، إلا أن جهاز الأمن والمخابرات هو الذي يتحكّم في الصحف عموماً، رقابة وحظراً ومنعاً واعتقالاً. وينطبق ذلك على القنوات الفضائية، إذ يسيطر النظام على أكثر من عشر فضائيات، وإذا قرر أي شخص مستقل أو منتمٍ إلى حزب آخر إنشاء قناة فضائية، فإنها تحارب بحجب الإعلانات عنها حتى تختنق وتموت، إذ إن الإعلانات لا تتوافر إلا لدى الشركات المملوكة للحزب الحاكم وجهاز الأمن الوطني. ولهذا تملك الحكومة قنوات «الفضائية السودانية» و«النيل الأزرق»، و«الشروق»، و«ساهور» (ثلاث فضائيات يملكها شقيق البشير)، و«البحر الأحمر»، و«الخرطوم»و«أم درمان» (يملكها صحافي من رجال الجبهة الإسلامية الحاكمة). وتعاني الصحف غير المملوكة للحزب الحاكم من اختناقات يقف وراءها النظام. من خلال المتابعة لما يدور في بعض المواقع السودانية الشهيرة، تتكاثر عبارات السخط التي تطالب البشير بتقديم استقالته، وتسليم السلطة إلى الشعب، حتى يُمكن الحفاظ على وحدة البلاد وبناء مستقبل جديد لشعب السودان بكل أطيافه وقبائله وأحزابه. ولفتتني أيضاً دعوات إلى فك الارتباط بين الخرطوم وطهران بعد رسو سفينة إيرانية أخيراً في السودان وقصف إسرائيل لمصنع أسلحة خارج الخرطوم، وتنبيه النظام إلى الابتعاد عن دخول السودان في محاور إقليمية ومعادلات دولية تهدد سيادته ومصالحه. بل إن أحدهم كتب يقول: «إن هم السودانيين حاضراً وتاريخاً ليس إيران بل العرب (مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية وبلدان الخليج الأخرى)، ما يستوجب تقوية العلاقات مع الدول العربية لا مع إيران وحلفائها». الأكيد أن البشير إن لم يرحل قبل فوات الأوان فسيرحل عبر ثورة شعبية أو حركة انقلابية مثلما جاء عبر انقلاب! [email protected] twitter | @JameelTheyabi