دعا البطريرك الماروني بشارة الراعي «الدول العربية إلى التحرك قبل غيرها تجاه المآسي التي يتعرض لها المسيحيون في الشرق»، كما دعا «المجتمع الدولي إلى التحرك سريعاً لوقف المجازر التي ترتكب في حق المسيحيين». وشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة «فالتهديد الإرهابي يطاول اليوم سورية والعراق وغداً واشنطن ولندن وباريس». استضاف مبنى الكونغرس الأميركي، بطاركة الشرق الذين يعقدون مؤتمرهم في العاصمة الأميركية واشنطن دعماً لمسيحيي الشرق، بدعوة من جمعية حماية المسيحيين في الشرق، واستمع الحاضرون إلى عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي. حضر اللقاء وفد من كتلة «المستقبل» ضم النائبين جان أوغسبيان وعاطف مجدلاني والمستشار السياسي للرئيس سعد الحريري غطاس خوري، النائب جوزف المعلوف ممثلاً رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، رئيس مجمع كنائس الشرق الكاردينال ليوناردو، رئيس أساقفة واشنطن دونالد وارل ساندري، أمين عام مجلس البطاركة الكاثوليك في العالم المونسنيور خليل علوان، السفير جيلبير شاغوري، وعدد من أبناء الطوائف المسيحية في بلاد الاغتراب. أعضاء الكونغرس وأجمع عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي على التأكيد «أن تنظيم داعش والمنظمات الإرهابية تشكل خطراً كبيراً على الشرق بأجمله، خصوصاً على المسيحيين»، وأبدوا «تخوفهم من وصول داعش إلى الأردن وإلى بلدان أخرى في المنطقة». ودعوا إلى «ضرورة التحرك بسرعة لمكافحة الإرهاب وحماية الحريات»، كاشفين أنه «سيصار التحضير لوضع مشروع قانون في الكونغرس يتناول حماية الأقليات الدينية في الشرق الأوسط». وتطرق المتحدثون إلى المآسي التي شهدها الشرق الأوسط في الأشهر الماضية من قتل وتهجير. وشددوا على أهمية دعم المسيحيين في المنطقة، معتبرين أن ما قام به تنظيم «داعش» في سورية والعراق «أمر محزن ويجب التصدي له ولا يجوز أن يبقى الوضع على ما هو عليه»، مستغربين «سكوت المجتمع الدولي إزاء ما يحصل»، وطالبوا «بتدخل عسكري لضرب هذه المنظمات الإرهابية والوحشية التي يتصرف بها تنظيم داعش». وشدد الجميع على «ضرورة عودة المهجرين إلى ديارهم والحفاظ على حياتهم وكرامتهم»، لافتين إلى «أن المسيحيين يتعرضون للخطر في الشرق الأوسط فيما المجتمع الدولي لا يتحرك»، مشيرين إلى أن «لغة الحرب والحقد غلبت على لغة التسامح التي هي لغة المسيحيين». وقال الراعي إن «اضطهاد المسيحيين في العالم اليوم حقيقة موثقة». وأشار إلى أن «هذا الوضع مؤلم، لكن ما يجعله مؤلماً أكثر هو سكوت العالم»، شاكراً «الولاياتالمتحدة وأوروبا على مساعدتهما ودعمهما»، ومتوقعاً من «الدول العربية المعنية التدخل مباشرة قبل أي دولة أخرى». وطالب الراعي المجتمع الدولي باتخاذ الإجراءات التي تهدف إلى «تحرير القرى المحتلة من جانب الدولة الإسلامية في سورية والعراق وتسهيل عودة النازحين إلى قراهم وبيوتهم في الموصل وسهل نينوى وإيجاد منطقة آمنة وضمان سلامة هؤلاء الناس بالتنسيق مع الحكومة العراقية والكردستانية لوقف تهجيرهم مجدداً والحؤول دون خسارة التراث الثقافي وإلغاء وجود المسيحيين من التاريخ ودعوة المجتمع الدولي للبحث عن الدول التي تدعم الحركة الإرهابية إن على صعيد تدريبها أو إعطائها المال ومنع المدارس والجوامع من نشر الفكر «الجهادي». مذكرة وتقدم أبناء الجاليات المسيحية في الولايات الأميركية بمذكرة إلى أعضاء الكونغرس تحضّهم على «وضع قانون للتحرك السريع لمواجهة المنظمات الإرهابية والوقوف مع الأقليات المسيحية التي هي همزة وصل بين الشرق والغرب، فهم الذين بنوا الشرق اقتصادياً واجتماعياً، ودعوا إلى السلام لا إلى العنف». وشددت الجاليات في المذكرة على «ضرورة عودة الذين هجروا من أرضهم بالقوة والعنف إلى ديارهم بكرامة وممارسة شعائرهم الدينية وبناء أماكن العبادة التي هدمت من جانب التنظيمات الإرهابية». وقال النائب المعلوف في المؤتمر: «إن مشاركتنا كقوات لبنانية في هذا المؤتمر هي لتأكيد أن للمسيحيين دوراً فاعلاً كشركاء»، مشدداً على «ضرورة حماية الأقليات الموجودة في المنطقة، وتأكيد أن المسيحيين هم شركاء أساسيون في المستقبل، وهذا الأمر يتلاقى مع طموحات الكثيرين من إخواننا المسلمين، شيعة كانوا أو سنّة الذين يعرفون قيمة الشراكة المسيحية في المنطقة». ومساء، أقيمت حفلة عشاء على شرف البطاركة والمشاركين في المؤتمر، شارك فيها مساعد وزير الخارجية الأميركي لورن سلفرمان وعدد من أعضاء الكونغرس الأميركي، النواب: المعلوف، مجدلاني وأوغاسبيان، مدير مكتب الرئيس سعد الحريري، نادر الحريري، وخوري، الوزير الأميركي السابق من أصل لبناني راي لحود، سفير لبنان في واشنطن أنطوان شديد، السفيرة الأميركية السابقة في لبنان مورا كونيللي، مدعي عام التمييز القاضي سمير حمود، مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، رئيس مجلس القضاء الإعلامي جان فهد، وحشد من الفاعليات ومدعوون. وألقى السفير شاغوري كلمة أشار فيها إلى «إن إخوتنا في الإسلام يخشون التطرف مثلنا نحن المسيحيين»، داعياً المسلمين إلى اتخاذ إجراء سريع والمساعدة في وقف تدفق السلاح إلى هؤلاء المجرمين». وللمناسبة، ألقى البطريرك الراعي كلمة أكد فيها أن «المسيحيين يلعبون دوراً إيجابياً في مجتمعنا العربي». وإذ أكد أن «عدم وجود المسيحيين وقيمهم في الشرق الأوسط يعني وبوضوح الاتجاه إلى خيارات قاتمة ومميتة»، قال: «كلنا نعرف ما هي هذه البدائل التي نراها اليوم في المناخ السياسي والاجتماعي في الشرق الأوسط. ديكتاتورية مقنعة بأيديولوجيات علمانية أو الدولة الإسلامية التي يديرها داعش وغيره. فالديكتاتورية والدولة الإسلامية تتشاركان الوحشية في شكل متساو». وتلا رئيس جمعية الدفاع عن المسيحيين في الشرق توفيق بعقليني رسالة موجهة إلى المؤتمرين من مبعوث الأممالمتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط طوني بلير، أعلن فيها «تأييده لأعمال المؤتمر ورفضه كل أنواع الاضطهاد»، مشدداً على «ضرورة قمع المنظمات الإرهابية». وأدت مداخلة عضو الكونغرس الأميركي تيد كروز خلال العشاء التي تهجم فيها على أحزاب سياسية لبنانية وعربية، إلى انسحاب سفير لبنان في واشنطن أنطوان شديد. كما حاول بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام الانسحاب، فطالب البطريرك الراعي الحاضرين بالهدوء وعدم الرد، معتبراً أن ما يقوم به المؤتمر أكبر بكثير من تصريحات فردية. وكان كروز أشار في كلمة له في المؤتمر، إلى أن «الليلة نجتمع جميعاً دفاعاً عن المسيحيين، ونجتمع دفاعاً عن اليهود، ودفاعاً عن أناس مؤمنين، يتوحّدون بوجه أولئك الذين يقتلون كل من يختلف مع تعاليمهم الدينية». وتحدث عما أسماه «حملة إبادة جماعية» تقوم بها تنظيمات إسلامية متطرفة، واضعاً في هذا الإطار «داعش» و «حماس» و «حزب الله» في خانةٍ واحدة. وعندما قال كروز إن «المسيحيين لن يجدوا حليفاً أفضل من إسرائيل»، بدأ الحاضرون بالامتعاض وطلب التوقف منه. لكن السيناتور الأميركي واصل حديثه، قائلاً: «هؤلاء الذين يكرهون إسرائيل يكرهون أميركا. هؤلاء الذين يكرهون اليهود يكرهون المسيحيين. إذا كنتم تكرهون اليهود، فهذا يعني أنكم لا تطبّقون تعاليم المسيح». وقد تصاعدت صيحات الجمهور مطالبة كروز بالتوقف عن الكلام، ما دفع كروز تحت ضغط المشاركين للمغادرة، قائلاً: «إذا لم تقفوا مع إسرائيل واليهود، فلن أقف معكم». وأصدر وفد «تيار المستقبل» المشارك في المؤتمر بياناً جاء فيه: «خلال العشاء التكريمي، الذي أقيم على هامش المؤتمر، ألقى السيناتور الأميركي تيد كروز كلمة تضمنت آراء عنصرية، ودعوة إلى التحالف مع إسرائيل لا تتناسب مع الأهداف السامية للمؤتمر، ما دفع وفد «تيار المستقبل» إلى الانسحاب فوراً، احتجاجاً على هذه الكلمة، وكذلك انسحب سفير لبنان في واشنطن أنطوان شديد».