تبدو النماذج الدرامية للطفولة في السينما المصرية مرتبط بما تحمله شخصية الطفل في العمل الفيلمي من «قيمة فنية خاصة» تستند إلى فاعليته في السرد الدرامي في الفيلم السينمائي الروائي. وهذا ما يحاول الدكتور ناجي فوزي الناقد السينمائي توضحيه في كتابه «الطفولة في السينما المصرية»، والذي صدر عن المجلس الأعلى للثقافة في 817 صفحة من القطع الكبير. يرى فوزي أن للأطفال في الأفلام الروائية تأثيرات فنية متنوعة، «لكننا يمكن أن نرجعها – في عمومها – إلى قيمتين دراميتين متميزتين كنماذج درامية، فهم إما أطفال محركون» وإما أطفال مؤثرون» فالأطفال المحركون هم الذين يتحركون بالأحداث الدرامية أو يحركونها بصفة مباشرة، فهم فاعلون أساسيون في الدراما السينمائية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتواروا لمصلحة الشخصيات الأخرى في الفيلم الروائي، لذلك فهم لا بد أن يوجدوا بأشخاصهم في الفيلم، بغض النظر عنه ما تحتله شخصية الطفل من «مساحة زمنية» من طول الفيلم، فالذي يعول عليه هنا ليس «طول الدور» وإنما قيمة فاعليته في السرد الدرامي للفيلم السينمائي الروائي، وكذلك بغض النظر عن أوصاف الطفل المحدده لملامحه الشخصية مثل السن والجنس والوضع الاجتماعي، الخ ولكن المؤثر الفعال الذي لا بد من ملاحظته هو اسلوب المعالجة الفنية لشخصية الطفل في الفيلم الروائي، بدءاً من السيناريو وانتهاء بالإخراج، بما في ذلك من عناصر فنية مؤثرة في تحديد الشخصية الدرامية على الشاشة، مثل الأداء التمثيلي والملبس والملامح الخاصة». مصائر ويكمل فوزي: «أما الأطفال المؤثرون فهم يأتون – بمنطق الأمور – في الترتيب التالي للأطفال المحركين، إذ إن الأطفال المؤثرين، وإن كانوا لا يحركون الأحداث أو يتحركون بها، إلا أنهم هم الذين يؤثرون كثراً في مصائر الآخرين (وبخاصة كبار السن) من أبطال الدراما السينمائية، فمصائر هؤلاء الأبطال ترتبط ارتباطاً عضوياً بمواقف الصغار أو مصائرهم أو تصرفاتهم بصفة عامة، لذلك فإن «السينمائي المتكاسل» (مؤلفاً أو مخرجاً) قد يعتمد في إظهار هذا الأثر على «الحوار السينمائي» في صورة «عمل إخباري» يقوم بإعلام المتفرج بمضمون هذا الأثر اما «السينمائي الواعي» (مؤلفاً ومخرجاً) فهو يبرز هذا الأثر في صورة أحداث «مرئية / مسموعة» بذاتها على شاشة العرض السينمائي، من خلال الشخصية (أو الشخصيات) المرئية الحية. وهنا يكمن أحد الفروق الأساسية بين نوعي النماذج الدرامية للطفولة في الفيلم الروائي، فإذا كان الفرق بين نوعي النماذج الدرامية – في هذا المجال – يكمن، من الناحية الموضوعية، في التأثير الدرامي (حركة/ تأثير) فإنه يكمن، من الناحية الشكلية في فكرة «الوجود المرئي» أو «التجسيد المرئي» فالأطفال المحركون لا يمكن أن يوجدوا من خلال الحوار وحده أما الاطفال المؤثرون فهم الذين يمكن أن يوجدوا احياناً من خلال الحوار، بما يضعف من القيمة الفنية لوجودهم، وللعمل الفيلمي كله، بينما تواجدهم المرئي هو الذي يرفع من القيمة الفنية لتأثيرهم في دراما العمل الفيلمي». ويشير عدد من أفلام السينما المصرية إلى ظاهرة خاصة تتعلق بسلوك الطفل وهو ميله إلى حب الاستطلاع، حيث إنه ليس امراً خارجاً عن المألوف في سلوك الطفل وانما هناك نوع من حب الاستطلاع الطفولي غير المعتاد أو غير المألوف وهو أمر قد يؤدي إلى عواقب وخيمة في بعض الأحيان سواء بالنسبة للطفل أو لمن حوله وفق رأي الكاتب. طاقية الإخفاء ويقدم الكاتب فيلم «سر طاقية الاخفاء» نموذجاً فذاً لفكرة حب الاستطلاع الطفولي لدى «فصيح» الطفل أحمد فرحات وهو أحد أبطال الفيلم الذي أنتج في العام 1959، بطولة عبدالمنعم إبراهيم وزهرة العلا وإخراج نيازي مصطفى، «ولعله لا بد أن نذكر في هذا السياق اشهر أطفال السينما المصرية على سبيل المثال وليس الحصر على مر العصور وهم ضحى امير وفيروز ونيللي ولبلبة وبوسي وأحمد فرحات وإكرام عزو ودينا وإيناس عبدالله وأحمد الجندي ووجدي العربي وياسين اسماعيل يس وهشام سليم وكريم عبدالعزيز وخالد أبو النجا وغيرهم». وعلى رغم وجود عدد غير قليل من الافلام المصرية التي تدور حول فكرة «الطفولة» بصفة عامة، فإن السينما المصرية نادراً ما تنتج فيلماً من أجل الأطفال على وجه التحديد، والفيلم الذي ينتج من أجل الأطفال هو الذي يتم إنتاجه بالتعاون مع المربين من علماء النص «التربوي» وذلك من أجل استعمال لغة سينمائية خاصة، من أهم صفاتها السهولة في التعبير، وذلك من أجل أن تقوم هذه الافلام بعرض مسائل غير معقدة على الأطفال وخصوصاً الصغار منهم، فيستطيعون فهمها بسهولة. ويختتم الدكتور ناجي فوزي قائلاً: «من جهة أخرى، حتى الآن لا توجد أية خطة خاصة يجري تنفيذها بجدية وتنتمي إلى ثقافة الطفل (وزارة الثقافة) أو إلى تربيته تربية فنية (وزارة التعليم) من اجل استغلال أن يكون الطفل صانع أفلام صغيراً، فعلي رغم توافر تقنيات أكثر سهولة في الاستخدام وأقل تعقيداً في إنتاج الصورة المتحركة، من خلال الصورة الالكترونية (الفيديو) ثم الصورة الرقمية (الديجيتال) أنه لا توجد خطة واضحة يتم تنفيذها، تنمو إلى تعميم أجهزة التصوير من هذه الفصائل، وإلى تكوين كوادر فنية من الاطفال - بأعمارهم المختلفة - لتنمية الحس الفيلم لديهم، سواء من حيث الابداع أو من حيث التلقي، الذي لا بد أن يصاحبه بالضرورة، ومن ثم فإننا لا نستطيع أن نتوقع أن يشارك الاطفال في صناعة أي أفلام لا من حيث تقديم الافكار أو محاولة الصياغة السينمائية المتكوبة، ولا من حيث الإقدام على المشاركة في تقنيات إنتاج الصور المتحركة مثل التصوير أو الاخراج أو المونتاج وغيرها ما دامت لا تتوافر مثل هذه الأمور حتى الآن».