مع صبيحة كل يوم يشق طريقه إلى عمله وسط أصوات الأبواق المزعجة في شوارع جدة، لكنه لا يسمعها. يمارس عمله ولا يعرف غيره، فهو الشيء الوحيد الذي يستطيع التفاهم معه من دون حديث. هذه هي حال محمد باسنبل، الذي فقد حاسة السمع بعد تعرضه لحادثة سقوط في أحد جبال مكةالمكرمة وهو في الرابعة من العمر، ومنذ ذلك الحين وهو فاقد القدرة على الكلام والسمع، ويعيش وحيداً بعد أن ترك المدرسة بسبب مضايقات الطلاب وبعض المعلمين له، نتيجة لإعاقته. اليوم يبلغ محمد ال 35 من عمره، ومع كل معاناته إلا انه يقابل الجميع بابتسامة رضا ممزوجة بالأمل لعله يستطيع القدرة على السمع، وهذا هو غاية ما يتمناه ويحلم به. «الحياة» التقت با سنبل بمساعدة أحد الأشخاص الذين يجيدون لغة الإشارة. وعلى لسان هذا الشخص، بدأ الشاب المعوق الإشارة إلى معاناته، التي تتمثل في عدم قدرته على شراء سماعة أذن ليتمكن من السماع، موضحاً بأنه يعمل في المصنع براتب شهري يبلغ ألفي ريال، بينما قيمة السماعة لا تقل عن 1500 ريال. يتساءل محمد دوماً عن كيفية توفير جزء من راتبه لتحقيق حلم التمتع بنعمة السمع، إلا أن إمكاناته المتواضعة لا تسمح له حتى بالاحتفاظ ببعض مصروفه إلى منتصف الشهر. ما يزيد با سنبل حزناً هو تخلي الجميع عنه، وهذا ما جعل حياته محصورة بين ثلاثة أماكن المسجد المنزل والمصنع، ومع أن مقر عمله يبعد عن منزله بنحو 15 كيلومتراً، إلا أنه لا يملك سيارة، ما يضطره إلى المشي على قدميه أو الاستعانة بالحافلة في حال كان مرهقاً ذلك اليوم. ويؤكد أنه حصل على رخصة قيادة، إلا أن المشكلة بالنسبة إليه هي عجزه عن توفير مبلغ السيارة. باسنبل في حاجة ماسة إلى استشارة طبية لتحديد مستوى السمع لديه ومعرفة مدى قدرته على الاستجابة للعلاج، إلا أن قلة ذات اليد أيضاً تكبله على رغم إشاراته المتكررة بأهمية الموضوع. ويبرر محمد الأسباب التي أوصلته إلى هذه الحال، على رغم شعوره بخطورة وضعه الصحي، لافتاً إلى أنه يعيش وحيداً في غرفة بعيداً عن العالم بنظام الإيجار وكل يوم يصحو مبكراً و يتوجه إلى عمله.ويكشف با سنبل بأن أحد زملائه قد أخبره أنه كلما تقدم في العمر قلت نسبة الأمل في علاجه، الأمر الذي جعله يعيش كآبة لا يظهرها أمام الناس، بل تنجلي كثيراً عندما يعود إلى غرفته وينعزل عن العالم، إذ يبدأ حينها بالبكاء والحزن على ما وصلت إليه الأمور، خصوصاً وهو يعرف كثيرين حصلوا على تلك السماعات وتحسنت أحوالهم كثيراً. ولا يخفي أيضاً أمله في الاستقرار الأسري والزواج كما الآخرين، ولكنه وصل إلى مرحلة من اليأس بسبب وضعه المعيشي. يتواصل محمد مع أصدقائه فقط عن طريق تقنية الاتصال المرئي عبر الهاتف الجوال، إلا أنه وأمام حاجته الماسة إلى المادة يضطر في شكل مستمر إلى بيع هاتفه، ثم يعود لجمع المال من جديد لمدة أشهر كي يحصل على هاتف متنقل يعيده إلى التواصل مع الآخرين. وينتظر محمد وقفة سريعة من المسؤولين في وزارة الصحة ووزارة الشؤون الاجتماعية، إضافة إلى أنه يأمل أن يوفر له فاعل خير سماعة الأذن حتى يستطيع العيش مع الآخرين والتواصل معهم.