في أحد أحياء شرق العاصمة الرياض، تعيش أسرة «أبو ناصر» التي ارتبطت بعلاقة وثيقة مع الأحزان، وتتابعت عليه الظروف والملمات والأمراض. تسكن الأسرة في شقة تبرع بها صاحبها بلا مقابل مادي منذ نحو أربعة أعوام، وقبلها كانوا يسكنون في منزل شعبي مهترئ في أحد الأحياء الشعبية وسط الرياض، حتى أخلوا المنزل مضطرين بسبب انهدام سقفه. الأسرة تتكوّن مع رب الأسرة (مصاب بشلل رباعي)، ويحتاج إلى الاهتمام في شكل مستمر، حتى إنه لا يستطيع تنظيف نفسه، إضافة إلى زوجته الصابرة وستة أبناء (ولدين وأربع بنات)، أكبرهم ناصر يبلغ من العمر 15 عاماً. تعود أم ناصر بالذاكرة إلى الوراء، وتحديداً قبل ستة أعوام: «لم نكن ميسورين، ولكن كانت حالنا مستورة، وكان زوجي يعمل حراً في بيع الخضراوات، واستطاع أن يجمع له مبلغاً اشترى به سيارة ليموزين، وكان يعمل عليها، وفي الوقت نفسه يبيع في الخضراوات، خصوصاً في وقت الصباح الباكر». وتضيف: «كانت أمورنا تسير نحو الأحسن، حتى قدر الله ووقعت حادثة مرورية لزوجي على سيارته الليموزين، وأصيب إثرها بشلل رباعي، وتحول من معيل للأسرة إلى معوق لا حول له ولا قوة». ولا تخفي أم ناصر أنها صدمت من تخلي معظم أصدقائه ومعارفه عنه، «ليس له أقارب مقربون، فقط هناك بعض الأسرة في قريتنا، وانقطعت صلتنا بهم منذ مجيئنا إلى الرياض، ولا يعلمون عن حالنا شيئاً». وتتابع أم ناصر: «ساءت الأمور بعد خروج زوجي من المستشفى، بعد أن مكث فيه أربعة أشهر، وانتقلنا إلى منزل شعبي تبرع به صاحبه، فقد كنا مضطرين إلى إخلاء المنزل الذي كنا نسكن فيه، لعجزنا عن دفع الإيجار»، مؤكدة أنهم لم يبقوا في المنزل الشعبي سوى سنة، إذ سقط عليهم السقف، وكاد يقتل بعض الأطفال لولا ستر الله وحده. بقيت الأسرة ثلاثة أيام يسكنون في منزل بلا سقف، حتى تبرع شخص يسكن شرق الرياض، وأسكنهم في إحدى شقق منزله، «جزاه الله خيراً لا يعرفنا ولا نعرفه، ولكن أتانا شخص وزوّدنا برقم هاتفه واتصلنا به، وبعد ساعات وصل إلينا وأركبنا سيارته وأسكننا في الشقة»، موضحة أنه يساعدهم بما يستطيعه من أكل وشرب وملبس. في إحدى غرف المنزل، يوجد أبو ناصر الذي رفض الحديث ل«الحياة»، كما رفض أن يتم تصوير أي من أفراد أسرته. وتوضح أم ناصر: «يقضي زوجي معظم ساعات يومه في الصلاة والدعاء لنا بالتوفيق، كنت أظن أنه سينهار ويصاب بأمراض نفسية بسبب ما ألم به وبنا، ولكن الله منّ عليه بالصبر». وعن وضعه الصحي، تشير الزوجة الصابرة إلى أنه لا يستطيع التحرك أبداً، فالإصابة كانت قوية، حتى إنه لا يستطيع الأكل أو تنظيف نفسه إلا بمساعدتي. يلهو الأطفال ويلعبون على رغم ما يرونه من فروقات واضحة بينهم وبين أقرانهم، يبتسمون بعيون حزينة، ويلعبون وقلوبهم محطمة، يشاهدون والدهم عاجزاً ووالدتهم تستجدي كل شيء كل يوم. وتلفت أم ناصر: «لم تقصر حكومة خادم الحرمين الشريفين، فأنا وزوجي نتسلم مساعدة من الضمان الاجتماعي، إضافة إلى مساعدة أخرى لزوجي المعوق، كذلك لم يقصر صاحب الشقة وبعض الجيران بما يستطيعونه»، مستدركة: «نحمد الله على كل حال، ولكن ما يؤرقني حالياً هو أبنائي، كل يوم أذكرهم بما نمر به من ظروف، وأحفزهم على العمل لمستقبلهم ودراستهم، على رغم حاجتهم الماسة في بعض الأحيان للعب، ولكنني لا أستطيع ذلك، وهم بحمد الله مجتهدون، وأريد أن يعوضني الله بمستقبل زاهر لهم». وتختم أم ناصر: «لا نستغني عن المساعدات المادية، فنحن في أمس الحاجة لها، لنستطيع التغلب على ظروفنا وحتى يكمل أبنائي دراستهم في ظروف طبيعية، فأنا أخشى عليهم من الضياع».