لا أكتب عن الفاعل بصفته «داعية» مستتراً بثوب الدين، لكنني أكتب لمن يريدنا أن ننصت لأي طرح يقدمه داعية مستتر ويلومنا إن لم نلتفت له أو نتوقف عنده، أكتب لفئات من مجتمعي تقدس «الكاريزما» وتذوب في المظاهر وتنغمس فيها لحد يصل لمرحلة التقديس، أكتب لكل من يقفز عند انتصار الفريق وحصوله على درجة نجاح جيدة، ويختفي أو يبرر عند الهزيمة وارتكاب الخطأ، أكتب من أجل قصصنا الاجتماعية التي تجعلنا طرفة للشعوب الأخرى، ليس لأنه لا شبيه لهذه القصص عندهم، بل لانخداعنا بأننا الأنموذج في التعامل والتناول والاتكاء على دين يرفعنا ولا نتخذه عباءة للمرور إلى المقاصد والأهداف والمصالح. من يقول إن التعاطي مع قضية المعنفة حتى الموت «لَمى» ساخن وزائد على المعتاد والمألوف، لأن الفاعل مواطن سعودي تحت مسمى «داعية» فهو مذنب آخر، فالتعاطي المحلي مع الدعاة ارتفع إلى حد التنزيه عن الأخطاء وإذابة الهفوات في ماء المحبة والعشق، ومن ثم نقدمهم في قالب ملائكي وفاتن غير منقطعين من ضخهم بما يزيد على حاجتهم من التبجيل والمدح والثناء، والمجمل أنهم بشر عاديون إن نجحوا في منبر فقد يفشلون في منابر أو جوانب أخرى. منزعج كثيراً من صمت بقية الدعاة عن الحديث وإبداء الرأي في زميل سابق، ألم يكن مدعواً لمدارسنا لسكب العبارات وتدبيج الخطب، ألم يتاجر ويراوغ ويكذب وينافق علينا مع كل كرسي يَجلِس عليه، من دفع به ليقابل وجوهنا وهو غير قادر على رعاية طفلة وحق زوجة! المجرم الفاعل لا يمثل الدعاة، ويمثل نفسه قطعاً لكن فعلته ستنعكس في ذهنية المجتمع المُتْعَب بشكل سلبي إن لم يتصدَ له شجاع بالتأصيل والتفصيل، سيحاول مجتمعي الاقتناع تحت ضغوط شعبية بأن الفعل استثناء وعابر، لكن من يقنعه بالمقبلين من الدعاة المزورين الذين يلعبون على وتر العاطفة وموزون الكلام لدغدغة المشاعر؟ الصمت بمعية بعض القضايا جبن، ولي أن أقسم بأن هذا الداعية لو حقق نجاحاً منبرياً ما لوضعناه تاجاً وقدوة لجيل وإماماً لجمع غفير، عدنا مع هذا الداعية لنبش السيرة الذاتية والاعتراف بشيء من الفوضى التي اعترتها والسلوكيات المجنونة، لكن من أسهم في أن يصبح داعية؟ ومن قدمه لنا؟ وهل تكفي التوبة لتصدر منبر؟ المجتمع شريك في خلل الصعود السريع للتائبين إلى منصة الدعوة! وقد يمتلك بعضهم مهارات خرافية تستعصي على كشف المرض والجنون والدناءة من خلالها كقصة القاتل، والصحيح أن من يفسحون الأمكنة للدعاة ويختارونهم ويدعونهم لاحتضان الشباب وتمثيل الدين سرعان ما يندهشون ويبنون الاختيار على المظهر الخارجي وسيمياء الإنسان الزاهدة البسيطة فيدفعون بهم من أجل نقلهم من حال سابقة متردية إلى حال أخرى ذات وهج جماهيري وشعبية مصحوبة بانفلات توعوي. تمنيت أن يقف أحد ويقول: هذا الداعية لا يمثل إلا نفسه، وهو من أقحم ذاته في هذا المجال، ويقول للمجتمع الطيب العاطفي إن الداعية ليس ملاكاً ولا مقدساً، فهو يخطئ ويصيب، وله نزواته ورغباته ويصاب بالأمراض ذاتها التي يصاب بها المجتمع، نحن من صنعنا منه نجماً، وقلنا له تحدث نحن نسمعك، وليت جيلنا مثلك، من دون أن نعرف بأن النيات عماد الأعمال، أخشى أن يمضي علينا وقت ونضطر للاعتراف بأنه لا يلزم الداعية عمل جبار للوصول إلى المجتمع وتصدر مجالسه ومنابره، ما يحتاج: «ثوب قصير، لحية معتدلة، انحراف سابق تدفنه توبة حالية عند الله علمها». [email protected] @alialqassmi