يعتب عليَّ كثير من المتابعين حين أصُرُ على أن بعضاً من مشايخنا السعوديين يحبون أن يتحدثوا في أي شيء، وعن كل شيء، وبأي شيء، وما يتركك متعجباً بحق سرعة اندفاعهم تجاه ما لا شأن لنا به، ولا علاقة مباشرة تربطنا معه، سوى تعاطف شخصي يختلف ويتباين من شخص لآخر، بحسب استيعابه وقراءته للمشهد. حين تَخْرج الكلمات من فم «شَيخ» محسوب على الثوب السعودي فإن الآذان تكون منصتة جيداً لما يقول، وتضع الجمل المتلاحقة في ركن لافت للحفظ والاستيعاب، لا كما يحدث حالياً، مع الأسف، «في ركن التدقيق» و«التمحيص»، «الشيخ» المتحدث دوماً يُمَثل صوتاً لنا إن أصاب وقال الموجز المفيد، لكنه يمثل نفسه إن تناول المنبر أو مستطيل الكتابة، وظل مُصراً على تسجيل الحضور، وليس كل حضور يغري. أقف ضد أن يكون كل داعية سعودي «مُفْتياً»، أو مفسراً لكل القضايا والأحداث، أقف ضده جملة وتفصيلاً، لأنه يجلس بمقعد ليس له، ويزاحم في مساحات الكلام بما ليس أهلاً لأن يملأه، فضلاً عن أن من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب. تَحَول الداعية إلى «مفكر سياسي»، أو «محلل مالي»، أو «كاتب رأي»، أو «نجم شُبَاكْ»، لا يحدث ويبلغ توهجه إلا بعد معسكرات من الدعاية والإعلان والعزف على وتر العاطفة، ذلك الوتر الذي منه وعليه نضع عقولنا في وضع الخمول. غالبية من يدافعون عن بعض مشايخنا، الذين لم يحالفهم التوفيق في لحظات إصرارهم الخاطئة للتحدث بالنيابة، هم مدافعون عاطفيون لا توسط عندهم في التعاطي مع الآخر، فهم بين حال حب جارف - لشيخهم - يعميهم عن التقاط المساوئ لطغيان عين الرضا، وبين حال كره تام لا تسمح لهم بأن يلتقوا مع من يخالفهم في الرأي لعنف حال السُخْط. نعاني كثيراً من غضب الجيران والأحباب حين يتحدث «سعودي» بحديث لا يمثل إلا نفسه، فيمَ قد يحسبه بعضهم عاكساً للرأي الاجتماعي والقراءة المحلية لأحداثهم الداخلية... الشيخ محمد العريفي حضر الأسبوع الماضي بمشاركة تتعلق بشأن جارتنا الكويت، أغضبتهم وجرحتهم، وترك طَرْحَهُ المتسرع مجالاً كبيراً للعَتَبْ، لأنه تدخل في الخصوصيات وتطفل على الأسوار. لشيخنا المنبري الأنيق أقول: ما يتعلق بالآخرين وخصوصيتهم، وعلاقتهم، وشأنهم الداخلي لا يعني ولا يستلزم المشاركة وإبداء الرأي، أو القفز العبثي بالكلمات من زاوية لزاوية، الجار ينتظر، ولحق الجوار كلمات تسهم في الالتقاء، وتقريب القلوب، وتهدئة الأنفس التي تثور بين حين وآخر، لشيخنا صاحب كتاب «استمتع بحياتك» أقول: لا يمكن أن يكتمل الاستمتاع بالحياة، وتحيطنا السعادة الحقيقية، ونحن نُوْجِعُ جَارَاً، أو نُؤلِبُ صَدِيْقَاً، أو نَدْفَعُ متردداً لميدان لا يعنينا، لشيخنا أقول: «الصمت خير» في التعاطي مع الأحداث الطارئة المتداخلة الأوراق، وفي الصمت ذاته حكمة بالغة لا يجرؤ أحد على المساس، أو الاحتكاك بها، حين يطلب من «السعودية» الحديث عن مطبات الطريق، وعوارض الحياة، فعندنا من رجال الوطن من يتمكن من المشي بالكلمات حتى ولو كان في حقل ألغام، ويعرف كيف تضمد الجراح؟ وما العبارات التي تصلح لأن تمثلنا جميعاً ولا تكون ندبة في وجهنا الجميل، أقول له: علمتنا أن الكلام من فضة، لكنك تناسيت أن السكوت من ذهب. [email protected] @alialqassmi