منذ ظهور نتائج الانتخابات الأميركية، بفوز الرئيس باراك أوباما لفترة ثانية، بعد معركة حامية بينه وبين المرشح الديموقراطي ميت رومني، والمراقبون يتكهنون حول سياسة أوباما في الفترة الثانية من رئاسته تجاه الكثير من القضايا الدولية، خصوصاً ما يخص منطقة الشرق الأوسط، إذ هناك الكثير من الملفات التي يعتقد الكثير من المحللين أن حلها مرتبط بانتهاء الانتخابات الأميركية، وعلى رأسها الثورة السورية، لكن يبدو أن أوباما، وبحسب المعطيات الأولية لتعاطيه في الفترة الثانية، سوف يستمر في نهجه الحذر تجاه القضايا التي من الممكن أن تجر الولاياتالمتحدة الأميركية إلى تورط عسكري مباشر، لأنه تعهد للناخب الأميركي بعدم جر الولاياتالمتحدة الأميركية إلى حروب خاسرة جديدة، كتورطها في العراق وأفغانستان، وما جرت عليها من كوارث اقتصادية لا تزال تدفع ثمنها حتى الآن، خصوصاً أن مواقفه من الحروب عززت شعبيته لدى الناخب الأميركي. بنظرة تحليلية لسياسة أوباما المستقبلية تجاه الشرق الأوسط، ومن خلال المتابعة لما قاله في حملته الانتخابية ومناظراته التلفزيونية مع خصمه، سوف نستعرض أهم ملامح هذه السياسة تجاه منطقة الشرق الأوسط، إذ تحتل القضية الفلسطينية دائماً الأولوية لتوقعات الجمهور العربي تجاه الرئيس الأميركي المنتخب، لكن في معظم الأحيان لا تحظى باهتمام كبير لدى الرؤساء بسبب الضغوط التي يتعرضون لها من اللوبي الصهيوني، ما يجعلهم يبتعدون عن الخوض فيها حتى في أثناء الحملات الانتخابية، خصوصاً هذه الانتخابات، التي لم يكن أي حضور للقضية الفلسطينية في برنامج المرشحين للرئاسة، ما يعني استمرار أوباما بسياسته الرافضة للاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية كعضو مستقل في الأممالمتحدة، ورفضه التام للتعامل مع «حماس» تأييداً للسياسة الإسرائيلية في هذا الجانب، والضغط على السلطة لتأزيم الصراع الفلسطيني الداخلي، من خلال الضغط على الفلسطينيين للاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، ما يجعل حق المطالبة بالعودة ساقطاً، وهو ما ظهرت بعض مؤشراته في تصريحات محمود عباس لإحدى القنوات التلفزيونية الإسرائيلية، لذلك لن تكون الولاياتالمتحدة الأميركية في فترة أوباما راعياً نزيهاً أو محايداً في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، ولن نتوقع تغيراً في سياسته تجاه القضية الفلسطينية في الفترة الثانية. بالنسبة للعلاقات مع إسرائيل، لم تكن في يوم من الأيام أفضل مما هي عليه الآن، إذ حصلت إسرائيل على دعمين عسكري واقتصادي في فترة رئاسة أوباما لم تتلقاه في فترة أي رئيس قبله، ولذلك سوف يستمر الدعم الأميركي لإسرائيل في سياستها، مع الضغط عليها بعدم التسرع في أي عملية عسكرية تجاه إيران من دون أخذ الموافقة الأميركية، على رغم أن الكثير من المراقبين والمحللين يعتقدون أن الخلاف بين الطرفين تجاه إيران هو خلاف تكتيكي، لكن العلاقة الشخصية بين الرئيس أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي لن تكون ودية، ولن تنعكس على العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، لأن التحالف بين الدولتين مؤسسي وليس شخصياً. كما أن ثورات الربيع العربي تجعل البلدين يعززان العلاقة بينهما بشكل أكبر وأكثر، خصوصاً في الجانبين العسكري والاستخباراتي، وهو ما رأيناه في المناورات العسكرية الأخيرة بين الطرفين. على صعيد التعامل مع الثورة السورية فإن إدارة أوباما، ومنذ البداية، أظهرت تأييدها السياسي المطلق لها، مع التحفظ الشديد تجاه الدعم العسكري، لذلك قامت الإدارة الأميركية بالضغط على المجلس الوطني غير الفعال في نظرها، الذي فشل في توحيد فصائل المعارضة المسلحة، لتشكيل ائتلاف يضم الفصائل المعارضة كافة، وفي شقيها السياسي والعسكري، وقد تم هذا التشكيل في مؤتمر المعارضة في الدوحة، وانتخاب هيئة لهذا الائتلاف والمجلس الوطني وهو مؤشر لاستمرار، الحذر الأميركي من التيارات الإسلامية الراديكالية، لذلك سوف تستمر إدارة أوباما على نهجها نفسه، على رغم غياب وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، لإنهاك النظام السوري، وكذلك إنهاك المعارضة، من خلال استمرار المواجهات المسلحة، ولن يكون هناك دعم عسكري للمعارضة بأسلحة ثقيلة، أو تدخل مباشر، أو حظر جوي من دون موافقة دولية، ما يجعل من الاتفاق الدولي أمراً محتملاً في هذا المجال في صفقة ترضي القوى الدولية، ويخرج الشعب السوري الخاسر الوحيد في هذه الصفقة. سوف يستمر الجدل في المحافل الدولية حول الملف النووي الإيراني، مع استمرار الضغطين الاقتصادي والسياسي من الولاياتالمتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين على إيران، الذي بدأت تظهر آثاره من خلال انهيار قيمة العملة الإيرانية، لكن المواجهة العسكرية لن تحدث، وهناك تلميحات من الطرفين حول احتمال المفاوضات المباشرة بينهما، وحل مسألة هذا الملف سياسياً، وهو احتمال كبير يتوافق مع نهج أوباما الديبلوماسي، الذي أعلن عنه في فترته الأولى وكرره في خلال حملته الانتخابية الثانية، على رغم تأكيده في الكثير من المرات أن جميع الخيارات مطروحة، بما فيها الخيار العسكري. في ما يتعلق بالملف الأفغاني فإن التوقعات تشير إلى أن أوباما سيوفي بوعده بالانسحاب منها عام 2014، وتنفيذاً لقراره الذي اتخذه خلال فترته الأولى، وأعتقد أنه أحد الأسباب التي عززت مواقفه لدى الناخب الأميركي، وهو مؤشر على إنهاء سياسة التدخلات العسكرية الأميركية المباشرة واستبدالها بالتدخل غير المباشر، أو الحرب بالوكالة من خلال الحلفاء في الأطلسي، أو دعم قوى محلية في البلد المعني بالتدخل، كما حدث في ليبيا. كما أن الخليج العربي سوف يكون من أولويات أوباما في فترته الثانية، للحفاظ على تدفق النفط، على رغم تصريحاته بعدم الاعتماد على مصادر الطاقة الأجنبية. يبحث أوباما عن مجد في التاريخ الأميركي يجعله بمصاف الرؤساء العظماء، فمنذ فترة وفاة كينيدي، لم يحصل رئيس أميركي على سجل يجعله في مصاف العظماء السابقين: كأبراهام لينكولن وجيفرسون وفرانكلين روزفلت وإيزنهاور، فنيكسون الذي دمرت تاريخه «ووترجيت»، وكارتر الذي خدشته أزمة الرهائن في إيران، وريغان وثوار الكونترا وإيران جيت، وآل بوش والحروب المدمرة، وكلينتون ومونيكا لوينسكي، لذلك فإن أمام أوباما الفرصة التاريخية لصنع مجد له، ولحزبه الديموقراطي، نعتقد أنه سوف يعمل على هذا الأساس من خلال محاولة حل المشكلة الاقتصادية التي تواجه الشعب الأميركي، الذي أعطاه فرصة ثانية لحلها، خصوصاً أنه رجل قادر من ناحية الحضور والمهارات والفكر والرؤية، علماً بأنه أول رئيس من الأقليات في أميركا. فهل يستطيع أوباما أن يكون صاحب مجد «Legend» في التاريخ الأميركي؟ * أكاديمي سعودي. [email protected]