أصبح النظام السوري مضربَ مَثَل في العناد وفي الاستئثار السلطوي، فلا تعاظم أعداد القتلى، ولا استطالة زمن القتال وما ينمو على جنباته من أحقاد، ولا تحوُّل سورية نفسها ساحة وملعباً للقوى الإقليمية والدولية... كل تلك الكوارث وسواها لم تدفعه، ولن تدفعه، إلى تقديم أي تنازل جدي وفعلي قد يحد من استئثاره. ولم يعد جديداً التذكير المُقارن بسلوك هذا النظام قياساً بالنظامين اللذين سبقاه في التهاوي، أي التونسي والمصري، ناهيك عن نظام الشاه في إيران العام 1979، فهي كلها أبدت استعداداً للاعتراف بالأمر الواقع وتوازنات القوى الناشئة، وتراجعت أمام الأكلاف الباهظة التي كانت لتترتب على عنادها في ما لو آثرت اعتماد العناد السوري. وهذا، للأسف، ما جعل المعركة مع هذا النظام معركة حياة أو موت لا توسط فيها. البائس أن النظام الأردني يقتدي اليوم بأخيه الأكبر في دمشق، فيوالي، حكومةً بعد حكومةٍ، إصراره على رفع الأسعار وتمسكه بسياسات مرفوضة، مرةً في ما خص القانون الانتخابي ومرة في ما خص الفساد. ومع أن المسافة لا تزال فلكية بين سلوكَي النظام الأستاذ والنظام التلميذ، وبين الأكلاف هنا وهناك، يبقى أن المضي في العناد والاستئثار يرشح الأردن للأسوأ، سياسةً واجتماعاً أيضاً، أي على خط يمتد من الدم ولا ينتهي بالتفتت. إن ثمة دروساً أفضل كثيراً من الدرس السوري يمكن النظام الأردني أن يتعلمها ويتعظ بها، لكنْ حتى إشعار آخر، على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟ وبدوره، الحكم الليكودي أصيل في العناد والاستئثار، فإذا صح التحليل الذي يربط بين الضربات الوحشية التي تُكال راهناً لغزة وبين الإقبال على انتخابات عامة في إسرائيل أو تحويل الأنظار عن المعركة السياسية للدولة الفلسطينية في الأممالمتحدة، جاز القول إن نزعة الاستئثار الإسرائيلية تتساوى مع مراتبية مقيتة وعنصرية في تبويب الإنسانية، ومراتبية كهذه -وكانت قد استعرضت نفسها مرات عدة من قبل- إنما تُجيز تحويل بشر»هم» وأطفال»هم» أداة لأي غاية يرمي إليها الحاكم الإسرائيلي. وهذا ناهيك عن أن العناد والاستئثار الإسرائيليين لا يكفان، المرة بعد المرة، عن توكيد أن قادة الدولة العبرية غير معنيين بما يجري في جوارهم من تحولات واحتمالات، فخارج السور يقيم البرابرة، وكل ما يصدر عن البرابرة بربري! إلا أن «حركة حماس»، أكانت ممانعة أم لم تكن، مصرة، هي الأخرى على عنادها واستئثارها، ليس فقط لجهة التمسك، ولو المتقطع، باستراتيجية الصواريخ، بل أساساً لتمسكها بسلطتها في غزة، تلك السلطة التي تكسر ظهر السياسة والوحدة الفلسطينيتين وتجعل كل انتصار في ساحات المواجهة العسكرية وهماً محضاً، وهماً لا يخفف منه التهليل لصواريخ »حماس» المرفق بالاستغاثة مما تفعله آلة الموت الإسرائيلي! وهل نحتاج إلى التذكير بالعراق في طوريه الصدّامي وما بعد الصدامي عناداً واستئثاراً، لاستنتاج أن المشرق مصاب عميقاً بهذا السرطان الذي يُسأل عنه التاريخ والواقع، فضلاً عن تاريخ خوف الجماعات وتاريخ الأفكار التي سادت ولم تبد!؟