تشهد المصارف الحكومية المصرية إقبالاً لافتاً على شراء شهادات استثمار في مشروع قناة السويس الجديدة طرحتها الدولة لتأمين حوالى 60 بليون جنيه لتمويل مشروع حفر القناة الجديدة وستة أنفاق أسفل الممر الملاحي لقناة السويس الحالية. ويرى خبراء أن هذا الإقبال يعكس تفاؤلاً بتحسن الأوضاع الاقتصادية وثقة في المشروع الذي دشنه الرئيس عبدالفتاح السيسي الشهر الماضي وسيتولى الجيش تنفيذه، إذ اشترى مصريون شهادات بحوالى 25 بليون جنيه خلال أربعة أيام فقط. واعتبر الخبير الاقتصادي عبدالخالق فاروق أن الإقبال «يشير إلى وجود فوائض كبيرة لدى المصريين كانوا يلجأون إلى توظيفها في الإقبال على شراء العقارات والأراضي، وشجعهم حجم العائد غير المسبوق للشهادات (12 في المئة) الذي لا توفره أية وسائل استثمار مصرفية أخرى». وأضاف ل «الحياة» أن الإقبال «يظهر أيضاً حجم الثقة الواسع في الرئيس السيسي». لكنه طالب السلطة بالاعتماد على «طرح الشهادات والسندات أكثر في مشاريع تنمية صناعية وزراعية، وليس فقط مشاريع خدمية، حتى تعطي العائد للاقتصاد... كون الأموال ذهبت إلى مشروع مثل حفر القناة الجديدة مفيد، لكن نفضل الاستثمار في مشاريع اقتصادية». ودعا المرشح الرئاسي السابق مؤسس «التيار الشعبي» حمدين صباحي المصريين إلى «الاكتتاب ولو بعشرة جنيهات في مشروع قناة السويس». وقال: «أدعو كل أب مصري وكل جد مصري إلى أن يشتروا شهادات لأبنائهم وأحفادهم من أسهم القناة، حتى يكون مشروعاً وطنياً، وسأزور المشروع قريباً جداً، وأرسلت طلباً للترتيب لذلك على أن تكون زيارة للتيار الشعبي وحزب الكرامة. وأدعو جميع الأحزاب إلى زيارة هذا المشروع الوطني والمشاركة فيه». وأردف: «نريد تحويل منطقة قناة السويس إلى منطقة تجارة عالمية، ونطالب بأن يساهم الشعب المصري في كل ما يتعلق بالمشروع». وكان طرح الشهادات بدأ الخميس الماضي تزامناً مع انقطاع واسع في الكهرباء طاول القاهرة ومحافظات بسبب عطل فني، لكن ذلك لم يمنع المصريين من شراء شهادات بحوالى 6 بلايين جنيه في اليوم الأول، على رغم محاولات «الإخوان المسلمين» التشكيك في جدوى المشروع وصدقيته. وعلى عكس صندوق «تحيا مصر» الذي دشنه السيسي أيضاً مع وصوله إلى الحكم، لتلقي تبرعات القادرين لكنه لم يحقق النتيجة المرجوة حتى الآن، شهدت مقار المصارف الحكومية توافد الآلاف لشراء شهادات استثمار قناة السويس، بسبب العائد الكبير الذي توفره. وأمام الإقبال المتزايد، مددت المصارف فترات عملها إلى ساعات متقدمة من المساء لمواجهة الزحام. وأتاحت الحكومة شراء شهادات تبدأ بعشرة جنيهات وصولاً إلى ألف جنيه ومضاعفاته، بفائدة 12 في المئة ومدتها خمس سنوات. ووفق مصرفيين تحدثت إليهم «الحياة»، فإن أعداداً كبيرة من غير المتعاملين مع المصارف ذهبوا لشراء الشهادات، ما يعني دخول أموال لم تكن متداولة في الجهاز المصرفي، وهو ما قد يخفف من وطأة مخاوف من تأثير الإقبال في تلك الشهادات ذات العائد الكبير على حركة الأموال في الجهاز المصرفي. كما أن الإقبال على الشهادات نجح في خفض قيمة الدولار الذي تراجع سعره في السوق الموازية. ويتوقع اقتصاديون أن يطاول الانخفاض قيمة الذهب أيضاً مع توسع المصريين في بيع الدولار والحلي لشراء الشهادات. وكان البنك المركزي أعلن الأحد الماضي ارتفاع الاحتياطي النقدي ليصل إلى 16.8 بليون دولار. ويتوقع أن تصل الحكومة إلى الحصيلة المرجوة (60 بليون جنيه) خلال الأيام المقبلة، مع دخول الهيئات والشركات في عملية الشراء، فوفق مصرفيين كان حوالى 85 في المئة من الشراء لحساب أفراد. وسيعلن محافظ البنك المركزي هشام رامز خلال أيام إجراءات لشراء المصريين المغتربين شهادات قناة السويس عبر فروع البنوك المصرية في الخارج، بعد التنسيق مع المصارف المركزية في الدول الأجنبية. وسعت السلطات إلى نفي شبهة تحريم شراء تلك الشهادات، فأعلنت وزارة الأوقاف والأزهر الشريف جواز الاستثمار فيها، كما أفتت دار الإفتاء بجواز التعامل بالشهادات لتمويل المشروع الجديد، باعتبارها «عقد تمويل بين المشتركين والدولة، ولا تُعَد بحال من الأحوال قرضاً».