عاد الهدوء الى مدينة صيدا أمس غداة دفن ضحايا الاشتباكات التي وقعت فيها بين «حزب الله» ومحازبيه ومناصري الشيخ أحمد الأسير، وأطلقت النائب بهية الحريري صرخة ضد الاقتتال فدعت أمهات صيدا الى ارتداء السواد طوال هذا الأسبوع حزناً وأكدت «أننا لن نبيح قتل النفس التي حرّم الله قتلها». ولقي كلام الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله، أول من أمس، ردود فعل عدة، أبرزها من زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي رأى أن الحزب «مستعد للقيام بكل ما يستطيع ليبقى متمسكاً بالسلطة». واستدعت التطورات تحركاً من وزراء «جبهة النضال الوطني» النيابية التي يتزعمها النائب وليد جنبلاط فالتقوا رئيس البرلمان نبيه بري، وقال باسمهم وزير الأشغال غازي العريضي أن ليست هناك حكومة مقدسة، وشدد على الحوار وعلى ألا تكون فيه محرمات على الإطلاق و «نحن لا نمنن بعضنا بعضاً بالحوار وهو واجب بين اللبنانيين». ووجهت النائب بهية الحريري كلامها الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من صيدا قائلة إن «الدماء يا دولة الرئيس ليست ثوبك ولا ثوب أسرتك ولا ترضي والديك وأنت تعرف أن الحج يسقط كل الذنوب إلا الدماء». وأضافت: «ما وصلنا إليه نتيجة يعرفها اللبنانيون، وإلى ماذا يؤدي القهر والعزل والفتنة... كنت أتمنى ألا تكون جزءاً من تلك التجربة السوداء». وزار قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي صيدا وأكد أن الجيش يعرف تماماً حساسية الوضع في عاصمة الجنوب ومحيطها... لكنه سيقمع بالقوة ومن دون تردد أي محاولة من أي فريق داخلياً كان أو خارجياً لتحويل صيدا الى ساحة حرب مشتعلة. وأدى كلام نصرالله الذي اتهم فيه قوى 14 آذار وتيار «المستقبل» بالعمل من أجل انفجار الوضع بين السنّة والشيعة، وأكد أن «الحكومة باقية وتستمر في العمل، وأن من كرم أخلاقنا نجلس معكم الى طاولة الحوار»، الى تعليقات من قوى المعارضة، لا سيما من كتلة «المستقبل» التي اعتبرت أنه «بتصنيفه الأطراف في لبنان بين خائن متعامل مع العدو وآخر وطني نصّب نفسه وصياً على اللبنانيين». ورأت كتلة «المستقبل أن نصرالله «أطاح إمكان استئناف الحوار وهو تحدث عن محاربة الفتنة وأسس لها في آن». وزار زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الفاتيكان أمس واجتمع مع وزير خارجيته المونسنيور دومينيك مومبارتي ثم مع وزير الخارجية الإيطالي غنويليو تريتزي. وقال الحريري بعد لقائه تريتزي: «نحن نرى أن ما يحصل في المنطقة وبخاصة في سورية وفي لبنان بعد اغتيال وسام الحسن أمر غير مقبول، وطالبنا برحيل هذه الحكومة وشرحنا الأسباب وكل اللبنانيين يعرفون لماذا على هذه الحكومة أن ترحل لناحية ما يعيشه اللبنانيون من الأوضاع الأمنية أو الاقتصادية أو الاجتماعية المتردية». وعن قول نصرالله إن الموضوع الحكومي لن يبحث خارج إطار الحوار، أجاب: «هناك أسس دستورية معينة لإسقاط الحكومة، إلا إذا كان السيد حسن يكتب لنا دستوراً جديداً، ويريد أن يفهمنا أن الطريقة الجديدة لذلك هي الحوار. لا أرى أن هذه طريقة تليق أن يتكلم بها. هناك أسس دستورية مكتوبة، فإما أن يستقيل رئيس الحكومة أو أن تطرح الثقة بها أو يستقيل أكثر من ثلث الوزراء كما حصل مع الحكومة السابقة، أما إذا كان هو متمسكاً بالسلطة، وهذا لا شك فيه، فمن الواضح أن الحزب مستعد للقيام بكل ما يستطيع ليبقى متمسكاً بهذه السلطة. كان في البداية يريد القيام بإصلاحات، ولكننا رأينا الإصلاح بالأدوية وإلى أين أودى بنا، كما رأينا الإصلاح بالاستقرار الأمني الى أين يوصلنا، ورأينا كذلك التدخل في سورية. فبشكل يومي يسقط جهاديون يقاتلون الى جانب النظام السوري، كما أن الحكومة نأت بنفسها اليوم عن التوافق العربي على ائتلاف المعارضة السورية. كيف تنأى بنفسها؟ كان الأجدى بها أن ترفض هذا الائتلاف بما أن هناك مقاتلين لحزب الله الى جانب النظام السوري». وعن اتهام نصرالله تيار «المستقبل» أمس بأنه يؤجج الفتنة السنية - الشيعية أجاب: «هذا الكلام مردود للسيد حسن، نحن لم نكن يوماً أصحاب فتنة كما أن كلام السيد حسن توجه به أمس الى شخص لم يسمه بالاسم، هو «الحكيم». الحكيم كان ولا يزال يقول للناس بأن لبنان يديره اللبنانيون فقط، وليس من خلال أي تدخل خارجي من أي كان. هذا المنطق لا يتماشى مع آراء المتمسكين بالسلطة وبخاصة حزب الله، لذلك شن هجوماً. وبما أنني متحالف مع سمير جعجع وأمين الجميل وكل 14 آذار، فقد وضع التهمة عندنا. وللتذكير فقط، أود أن يسأل حزب الله والسيد حسن نصرالله نفسيهما، من هو الذي يشتم الناس في قبرها، وينبش القبور ويحاول أن يؤجج الفتنة؟ عندما انتفضنا عام 2005 لم يكن ذلك لكي يعود النظام السوري الى البلد، انتفضنا لنكون أحراراً وسنبقى. ما نريده للبنانيين هو أن يعيشوا بكرامة، وأن لا يحتاجوا أحداً، لا سعد الحريري ولا حسن نصرالله ولا سمير جعجع ولا أي كان، وأن تتأمن لهم الكهرباء والمياه والطبابة والتعليم. إنهم يحاولون اليوم أن يأخذوا الأمور على طريقتهم وهذا لن يحصل». وقال رداً على سؤال: «إن شاء الله عاجلاً أم آجلاً سأعود الى لبنان، وهذا التحرك هو لأشكر قداسة البابا على زيارته لبنان التي كانت فعلاً زيارة تاريخية مهمة جداً، وأتى ليقول للبنانيين إننا جميعنا واحد. وأنا أكرر أنني وتيار المستقبل وقوى 14 آذار لا نريد إلا أن يعيش جميع اللبنانيين معاً. وهذا أمر ليس بالمستحيل أن يحصل، ولكن على البعض أن ينزلوا الى الأرض قليلاً ويفكروا لبنانياً لأن هذا البلد هو للجميع. وليتوقفوا عن تحدينا لأن هذا التحدي لن يوصلهم الى أي مكان، فنحن لا نخاف من ذلك، نحن لا نخاف إلا على لبنان ولن نساوم لا على الطائف ولا على لبنان». وشدد رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، على أن «الحوار هو أساس ولا يجب حصول أي تغيير في البلد من دون إجماع». وقال: «نرفض حكومة تكنوقراط أو حكومة حيادية أهم شيء يبقى الوفاق الوطني، وقد يحصل بالحوار اتفاق على كل الأمور وليس فقط الحكومة، بل على قانون الانتخابات». وكان الوزير العريضي قال بعد لقاء وزراء «جبهة النضال» مع بري: «نحن في مأزق سياسي وطني كبير وحقيقي ويجب ألا نكابر». وزاد: «إذا كان الحل برحيل الحكومة ليس لدينا مانع... وبعد التطورات التي حصلت على الأرض وما نشأ من توترات لسنا مطمئنين الى الواقع السياسي في البلد وفي ظل هذه القطيعة نرى الوضع أكثر خطورة من أي وقت».