"هاء الغائب" في عنوان المقال تعود إلى "الإعلام الجديد - الرقمي - الإلكتروني". هو (أي هذا الإعلام)، بعيداً من تصنيفه (جديد أو سوى ذلك)، أداة ترويج بامتياز. يُمارِس الإعلام، عموماً، التوجيه بقصد أو بلا قصد. يبني القراء - المشاهدون - المستمعون قناعاتٍ لحظية عابرة أو ربما راسخة، لدى استقبالهم "الرسائل"، المباشرة وغير المباشرة، عبر قنوات نصية وصوتية ومرئية مختلفة. يؤثر الإمعان في ترويج تلك الرسائل في "الوعي المجتمعي" ويُسهم في تشكيله. كُتب هذا المقال على جهاز كفّي (لوحي) في طائرة متوجهة إلى أوكرانيا، وأرسل من الجهاز، لنشره في الصحيفة الورقية. وعبر الجهاز ذاته، أو نظيره، تستقبل المقال الذي بُثّ عبر منصات (قنوات) رقمية عدة تتبع للصحيفة ذاتها. في وسعك، لو أردت، أن تُعيد نشر المقال عينه عبر قنوات رقمية تابعة لك شخصياً، مثل موقعك الإلكتروني، مدونتك، حسابك في تويتر أو فيسبوك، رسالة قصيرة (إس إم إس) متبوعة برابط إلكتروني، أو من خلال إذاعته عبر برودكاست ال "بلاك بيري ماسنجر" أو "الواتس آب"... وربما تُرفق فيديو أو صورة، لإثبات وجهة نظر ما في المقال أو دحضها. تتابع عدد القراء وتفاعلهم عبر تلك القنوات. تقيس مدى اهتمامهم، ليس عبر ردودهم فحسب، بل أيضاً عبر مدى إسهامهم في الترويج للمقال عينه الذي لا يزال ينتشر باسترسال عبر قنواتهم الرقمية. الصحيفة التي توزع في السعودية بأفضل أحوالها 150 ألف نسخة، ربما تصل إلى يد 500 ألف قارئ. ولكنْ، من يعرف ماذا قرأ القراء من محتوى تلك الصحيفة؟! من يحدد كم المقروء ونوعه، على مستوى كل موضوع أو مادة على حدة، وعلى مستوى مجموع أبواب الصحيفة؟! حين تنشر محتوى على موقع إلكتروني ومنصات (قنوات) رقمية أخرى، تتوسع رقعة انتشاره بلا حدود ولا زمن؛ يبقى هذا المحتوى إياه حاضراً إذا بحث عنه أحدهم أو أحياناً يطالعه بمحض صدفة. ويصعب معرفة من يقع على ذلك المقال "الهائم"، فكل منصة (قناة) رقمية لديها شريحة من المستهلكين يختلفون، في معظم الأحيان عنهم في المنصات الأخرى. فعلى سبيل المثال، انتشار خبر ما على "ماسنجر" البلاك بيري في السعودية، ربما يكون مؤشراً إلى انتشاره بين الفتيات والنساء أو الشبان المراهقين، استناداً إلى إحصاء يحتاج إلى تدقيق يقول "إنهم الأكثر فعالية ونشاطاً عبر ذلك الجهاز". وفي أي حال، لا يقف دور قارئ القنوات الرقمية أو مُشاهِدها، عند حد استهلاك ما طالعه، أو عند تداوله شفهياً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، مثلما يفعل قارئ الصحيفة أو مُشاهِد التلفزيون. "مُطالع" القنوات الرقمية يعمد، تلقائياً أحياناً، إلى الترويج لكثير مما يطالع عبر قنواته الرقمية التي تحمل اسمه الحقيقي أو المستعار. يروج لما يتفق مع رأيه ولما لا يتفق أحياناً بغرض انتقاده. قلة أولئك الذين يكتفون باستهلاك ما يستفزهم - إيجاباً أو سلباً - في العالم الرقمي. "الألواح الكفية" مثل "أيباد" و "غالكسي تاب" وسواهما، تضم قنوات رقمية عدة. وعدد "الألواح" المبيعة في السعودية يتجاوز ال 4 ملايين. الهواتف الذكية مثل "أيفون" و "بلاك بيري" و "سامسونغ"... تضم أيضاً القنوات الرقمية ذاتها. أضف إليها تطبيقات مثل "بلاك بيري ماسنجر" و "واتس آب"، وأيضاً قنوات الرسائل النصية ورسائل الوسائط المتعددة. مستخدمو "البلاك بيري"، وهو الجهاز الأقل مبيعاً مقارنة بنظيريه، يتجاوزون المليون في السعودية! هل ثمة مبالغة في القول إن تلك الأجهزة والقنوات الرقمية تسمح، في خلال ساعات، بترويج "مادة" واحدة عبر إيصالها إلى 10 ملايين من "المطالعين" في السعودية، أي نصف عدد السكان؟! يدق "جرس الإعلام الجديد"، بصفته مروجاً، داعياً كيانات وأفراداً إلى القيام من سباتٍ عميق. [email protected]