في عالم الشبكات الاجتماعية أصبحت العلاقات بين الناس أقرب بكثير من خلال وسائل الاتصال الحديثة، التي وفرت التفاعل بالصوت والصورة بين الناس، وجعلت بإمكانهم تكوين شخصيات افترضية تمثلهم في العالم الإلكتروني. و يطرح المتابعون لهذه الشبكات تساؤلات عدة عن دورها في زيادة التواصل الاجتماعي بين البشر، وإمكان تطور هذا الاتصال الافتراضي ليكون حقيقياً بين «أصدقاء الفضاء»، وهل تعود العملية الاتصالية بالفائدة المرجوة للطرفين؟ والحديث هنا عن الشبكة الأوسع انتشاراً شبكة «فيسبوك»، التي يتجاوز عدد مستخدميها في العالم 500 مليون شخص، وفقاً لإحصاءات شركة «سوشيال بيكر» المتخصصة في درس توجهات التواصل الاجتماعي، إذ تحتل السعودية المرتبة الثانية عربياً وفقاً لعدد المستخدمين، ب3 ملايين مستخدم. ويلفت الانتباه في شبكة «فيسبوك» العدد الهائل من الشباب، الذي يبدو أنه وجد ضآلته عبر هذه الوسيلة، ويؤكد الباحثون أن انتشار الارتباط الكبير لدى الشباب ب«فيسبوك» يعود الى أن ما هو غير مسموح في الحياة الطبيعية يصبح متاحاً على العالم الافتراضي، فيستطيع الشاب أن يقرر وحده ما لا تقرره عادات معينة مرتبطة بالبيئة التي يعيشها، كما يستطيع تكوين صداقات قد يكون من الصعب إنشاؤها في محيطه. فأحياناً يعيش بعض الاشخاص في غربة عن محيطهم، لاختلاف نمط تفكيرهم عمّن هم حولهم، فيجدون على «فيسبوك» من يوافقهم آرائهم ويؤمن بمعتقداتهم، فيشعرون أنهم يحيون في نفوس الآخرين. فالمتابع لطبيعة مستخدمي «فيسبوك» يجد أن كلاً يتعامل مع هذه الوسيلة بطريقته الخاصة، فمنهم من له غايات ترفيهيّة من خلال تبادل الموسيقى والصور والمقاطع المصّورة، ومن له غايات أدبية من خلال تبادل الكتابات الأدبية وتبادل الآراء حولها، ومن له غايات عاطفيّة، إذ ينتشر في «فيسبوك» بشكل لافت ذلك الشاعر المتغزل في بحر الهوى، والعاشق الهائم خلف الجنس الآخر، ومن الجانب المقابل تجلس الفتاة تتأمل ذلك الفارس الذي اقتحم صفحتها على «فيسبوك» بحصانه الأبيض طالباً ومتوسلاً الارتباط بست «الحسن والجمال»، وكأن كلمات «سيرة الحب» و«بنت النور» و«زيديني عشقاً» تتجسد واقعا بينهما، غير أنّ العلاقات التي تبدأ من الفضاء الافتراضي تظلّ تتهدّدها الأكاذيب والأوهام ما لم تخضع لاختبارات العالم الواقعي. وهذا السلوك يجسد إشكالية الحب المفقود في المجتمع بحسب المستشارة الاجتماعية زهرة المعبي، وترى أن الحل لا يكون بتجاهل هذه الوسيلة الاتصالية الجميلة أو إهمالها، ولا سبيل إلى منع الناس من ارتيادها كشبكة اجتماعية محببة، بل بالمعالجة الموضوعية في سبيل الوصول للاستخدام الأمثل لها. وتضيف أنه إذا كانت طبيعة التعارف بين الجنسين ستكون في مجالات التبادل المعارفي وتنمية الاهتمامات المشتركة، في حدود الالتزام بالآدب في الحديث، والارتقاء الى مستوى عالٍ من اللياقة العامة، فذلك أمر جيد ومقبول، بل ويثري الخبرات لدى الإنسان، ويسهم في التعرف على طريقة التعامل من الطرف الآخر. وتلقي بالمسؤولية على الآباء و المربين في هذا الجانب، لأن عليهم توعية الشباب بأن يكونوا على قدر من المعرفة والوعي عند التعامل مع الأصدقاء الافتراضيين، وذلك بزرع الثقة في نفوسهم والبناء السليم لشخصياتهم. ونبهت المعبي عن الضرر الذي يمكن أن ينتج بسبب التمادي في العلاقات الافتراضية على «فيسبوك»، من دون الالتزام بالضوابط والمحاذير التي يجب على المستخدم وضعها في الحسبان، فالفضاء الإلكتروني يضم كثيراً من الأسماء المستعارة، ويوجد به من ينتحل الشخصيات المشهورة وهو لا يمثل هذه الشخصية بأية صفة، فيجب على الشباب من الجنسين الاحتفاظ بهامش مناسب من الخصوصية، وعدم الإفصاح عن جميع المعلومات الخاصة الى الطرف الآخر من دون التأكد من شخصيته الحقيقية.