يميل محمد الجخبير إلى الوراء ليجهز نفسه للقفز من سطح مبنى مستشفى خان يونس قبل أن يحط على سطح آخر في واحدة من الحركات التي يتدرب عليها كعضو في أول فريق «باركور» في قطاع غزة. و»باركور» من الرياضات القصوى القائمة على تخطي العقبات أو الموانع في المدن، بأكبر سرعة ممكنة، باستخدام خليط من الركض والقفز وحركات الجمباز والدحرجة والقفز في الهواء. ويثب ممارسو هذه الرياضة من سطح إلى آخر ويتراكضون على جدران المباني قبل أن يقفزوا إلى الوراء أو فوق مقاعد المنتزهات. ولا تزال هذه الرياضة جديدة نسبياً في القطاع، ويقوم الجخبير وأربعة من أفراد فريقه المؤلف من 12 شخصاً بإظهار مهارتهم عند مستشفى ناصر، بينما يتفرج عليهم الأطباء والمرضى، ويصوّر بعضهم تلك الحركات باستخدام هواتفهم النقالة. ويقول احد المتفرجين عن الجخبير الذي كان يجري على الحائط: «إنه مثل الرجل العنكبوت». وعندما يتزايد عدد المتفرجين، يقرر الفريق الانتقال إلى مكان آخر. وفي العادة يقطع الفريق تدريباته بسبب اتصال المتفرجين بالشرطة. ويخبر الجخبير: «عندما بدأنا بالتدريب كان في الإمكان ممارسة ذلك في أي مكان، لكننا اكتشفنا أن الناس بدأوا يشتكون فتحضر الشرطة، فأصبح الأمر أشبه بلعبة: نتدرب حتى قدومهم، ثم نهرب». وبدأ الجخبير التدرب على الباركور قبل سبع سنوات، عندما أعاره صديقه عبد الله، فيلماً وثائقياً حول الرياضة التي جذبته فوراً فسعى إلى تعلم المزيد عنها من الإنترنت. ويضيف: «كنا نشاهد لقطات ونحاول تقليد الحركات التي نراها. وبدأنا تدريجاً في تصوير لقطاتنا الخاصة»، ويضيف: «يطلب الناس منا الآن، تصوير لقطات لتعليمهم حركات معينة، لقد كانت رحلة طويلة بالنسبة إلينا، استغرق الأمر سبع سنوات، واليوم لدينا فريق حقيقي». وانضم جهاد أبو سلطان (24 سنة) إلى الفريق قبل أربع سنوات بعد رؤية أشرطة فيديو للجخبير في موقع «يوتيوب». ويصر أبو سلطان، الذي يملك خلفية في رياضاتي الكيك بوكسينغ والكونغ فو، أنه وجد شيئاً مختلفاً في «الباركور»: «تستخدم فيها القوة الجسدية أكثر من أي رياضة أخرى... لقد أثارت إعجابي خصوصاً مع الوثب». ويتميز أبو سلطان بتأديته حركة يقوم فيها بقلب جسده بشكل دائرة كاملة مع يد واحدة على الحائط يدور حولها. ويستطيع أيضاً التدحرج في حركات عدة. ويتابع: «الباركور يعلمنا التغلب على العوائق ويجعلني أشعر بالحرية وبأن جسمي قوي، كأني أستطيع التغلب على أي شيء». ولكن التدرب على رياضة «الباركور» في غزة ليس سهلاً، إذ اضطر الفريق، مرات عدة، إلى تغيير مواقع التدريب بعد استهدافها في غارات جوية إسرائيلية. ولقي كل من أبو سلطان والجخبير معارضة من عائلتيهما. يخبر أبو سلطان: «في البداية، حاول والداي منعي، خصوصاً بعد إصابتي، لكنهما لم يتمكنا من ذلك، فهو في دمي». أما والدا الجخبير فطلبا منه وقف ممارسة «الباركور» والبحث عن عمل، وهو خرّيج كلية الإعلام في الجامعة الإسلامية بغزة وعاطل من العمل: «قالا لي إنه لا مستقبل لهذه الرياضة، لكنني أريد أن يغير الناس فكرتهم هذه». ويتابع الجخبير: «يجب أن يفهموا بأن الرياضة مهمة جداً، ويستطيع الرياضيون رفع اسم فلسطين عالياً في العالم». وتمكن الجخبير وأعضاء من فريق «باركور - غزة» من زيارة إيطاليا هذا العام، بدعوة من فريق إيطالي. ويقول الشاب المتحمس: «جعلوا حلمنا حقيقة، تغلّبنا على العائق الأكبر، أي الحاجز الإسرائيلي، وسافرنا». وزار الفريق روما، وأربعة مدن إيطالية أخرى، والتقوا مع لاعبي «باركور» آخرين وتعلموا حركات جديدة... «أخبرنا الناس عن حياتنا في غزة وبأننا نعيش تحت حصار وفي وضع متوتر دائماً، ونواجه صعوبات مالية واجتماعية وسياسية». ويتدرب الغزيون ثلاث مرات في الأسبوع، وغالباً في مقبرة على مشارف خان يونس، لأنها خالية وهادئة. ويعترف اللاعبون بأن مستقبل الفريق غير معروف، لكن الجخبير وأبو سلطان مصرّان على مواصلة الرياضة في شكل محترف والحصول على دعم محلي أو دولي. ويؤكد الجخبير «الباركور يعلمنا بأننا نستطيع التغلب على مشاكلنا حتى لو فشلنا مرة أو مرتين».