ما من شخصية في كل المناطق التي تعم فيها الفوضى مثل سورية والعراقولبنان وحتى أفغانستان أكثر شهرةً وقوةً من القائد الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس. إنه رجل لم يعلن قط عن أعماله وقد سُمع الكثير عن مهاراته وصرامته العسكرية. يتميز سليماني بكونه مخلصاً للقائد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي وبالوضوح الأمني الكبير في النظام الذي يضعه، ويتخطى نفوذه الأراضي الإيرانية. وتم التنويه بالدور المهم الذي أداه سليماني في حرب لبنان ضد إسرائيل في عام 2006 وتورطه في العراق بعد احتلال أميركا في عام 2003، من خلال تدريب الميليشيات الشيعية. وبعد مرور عام على انتخاب حسن روحاني رئيساً للدولة، تراجع ظهور أعضاء قوة القدس بشكل علني، إذ يرجح أن يكونوا قد تلقوا نصائحَ بالابتعاد عن الأضواء بسبب مشاركة إيران في محادثات نووية جدية مع القوى الغربية. والجدير ذكره أن إيرانوالولاياتالمتحدة الأميركية عقدتا للمرة الأولى منذ 1979 محادثات مباشرة حول موضوع الأمن في العراق، ويبدو أن سليماني قد شارك في هذه المناقشة في عام 2007. منذ أسبوعين، انتشرت شائعة في صحيفة عربية إقليمية حول سياسة سليماني الفاشلة في العراق التي تسببت بتخلي القائد الأعلى عنه وعدم دعم المالكي وتحمل النائب الحمداني حالياً مسؤولية التعامل مع التداعيات على العراق. إلا أنه تم تصوير قاسم سليماني الأسبوع الفائت في قرية آمرلي العراقية فيما كان يطلق إشاعات حول أنه قد استولى على قرية آمرلي لردع تقدم المتشددين من تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». وقد نفت إيران أي وجود للمقاتلين المتشددين في العراق، ولكن قيل إن فريقها العسكري الاستشاري موجود في العراق. ويبدو أن تحرير آمرلي من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي لم يكن ليتحقق لولا مساعدة إيران ودعم القوات الجوية الأميركية. ربما يشكل سليماني الذي أمضى أكثر من عقد في العراق لتدريب الميليشيا أفضلَ مستشار عسكري يمكن أن ترسله إيران لمشاركة العراقيين في محاربة «داعش». وعلى رغم الحساسية ضد سليماني، لم يكن أمام إيران إلا أن تسمح له بقيادة العملية بما أن الأعمال العسكرية تجري على مسافات قليلة من الحدود مع إيران. وقد نُشرت صورة له تؤكد حضوره القوي وسيطرته الكاملة أمام خصومه وذلك بهدف وضع حد للإشاعات التي يتم تداولها وتعزيز العلاقات مع أنصاره في المنطقة. إيرانوالولاياتالمتحدة الأميركية عقدتا جولتين من المحادثات الثنائية خلال شهر واحد في جنيف حول برنامج إيران النووي، ولم يتم الإعلان عن أية تفاصيل حول هذا الموضوع في الوسائل الإعلامية وما زال سبب الخلاف بين الفريقين غير واضح. وقد ناقشت إيرانوالولاياتالمتحدة الأميركية برنامجَ إيران المثير للجدل فيما ستنتهي الصفقة الموقتة في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) مع غياب أي خيار بتمديد هذه المفاوضات ما لم يتم إيجاد حل آخر. لا شك في أن إيرانوالولاياتالمتحدة الأميركية تدركان أن المسألة الأمنية لا تقل أهميةً عن المحادثات النووية بحيث يتعاون العسكريون الاستشاريون في العراق بعيداً من عدسات وسائل الإعلام والدعاية. يشكل حل القضية النووية أولويةً بالنسبة إلى إيرانوالولاياتالمتحدة الأميركية، إلا أن هاتين الدولتين تضعان أيضاً التعاون على حل المسألة الأمنية في العراق بين أولوياتهما، علماً أنهما قد تعجزان عن التعاون ما لم تنته المحادثات النووية أولاً. ومن المقرر إجراء الجولة القادمة للمحادثات النووية على المستوى الوزاري بين إيران ومجموعة 5+1 في 18 أيلول (سبتمبر) في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. لا شك في أنه على إيران أن تظهر تعاوناً كبيراً مع المجتمع الدولي بشأن ملفها النووي من أجل تأدية دور إقليمي أكبر. وقد وصلت المحادثات النووية مع الغرب تقريباً إلى المرحلة النهائية ولا يجب أن يعرقلها أي شيء في حين تحتاج الولاياتالمتحدة الأميركية إلى تحالف محلي لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، مع الإشارة إلى أنه من المستحيل تحقيق هذا الهدف من دون مساعدة إيران. وحتى لو لم تخلص المحادثات النووية إلى أي نتائج، لا يمكن أن يبقى الفريقان متنازعين لفترة طويلة. في الواقع، هدد ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الأمنَ العالمي، لذا من الممكن أن تشكل إيران حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة الأميركية إذا ما تعاونتا مباشرةً في العراق، حتى ولو أراد سليماني أن يقود العملية برمتها ولم يرق هذا الأمر لعدد من الدول في المنطقة. سيكون شهر أيلول (سبتمبر) الشهر الأهم بالنسبة إلى الديبلوماسيين العراقيين ليظهروا أفضل ما لديهم ويرسموا مستقبل النظام في بلادهم.