تلاقت مجموعة من الموسيقيين الأردنيين المهتمين بالمساهمة في إحياء الموروث الموسيقي العربي في فرقة لا يعود مستغرباً، والحال هذه، خيار تسميتها «فرقة جذور» إذ تتركز جهود أعضائها على تسليط ضوء معاصر - إن جاز التعبير- على الموروث الآلاتي للمنطقة العربية والشرق الأوسط ككل، وتطويره بما يتماشى والذائقة العصرية لتحقيق شعبية جديدة. ولا ينحصر اهتمام «جذور» في منطقة معينة من العالم العربي أو الشرق الأوسط، وإنما تشتغل على صهر تأثيرات موسيقية شتى من أرمينيا في الشرق، إلى اليونان في الغرب، مروراً بالعراق وسورية الكبرى وتركيا ومصر لإنتاج موسيقى كلاسيكية آلاتية شرقية. ويقول الفنان وعازف العود عبود كيالي، مؤسس الفرقة، إن فرقة «جذور» تؤدي الموسيقى المتفرعة المنابت بطريقة متعلقة عضوياً بأصول أردنية، مضيفاً أنها تبحث عميقاً في بواطن عناصرها الموسيقية عبر تأكيد الهوية الروحية والإرتجالية للموسيقى التي تقدمها. تقدم «جذور» قوالب موسيقية شرقية كلاسيكية كالسماعي والبشرف واللونغا والتحميلة والدولاب، إضافة إلى المؤلفات الحديثة، وتتألف من عازفي عود وقانون وناي وكمان وكلارينيت وتشيلو وإيقاعات، وتستخدم تركيبات مختلفة من هذه الآلات بحسب روحية الموسيقى التي تؤديها. وقدمت «جذور» أعمالاً من مؤلفات الشريف محيي الدين حيدر، جميل بشير، منير بشير، غانم حداد، عمر الفقير، محمد عبدالوهاب، وجورج ميشيل وآخرين. فماذا يقول كيالي عن تشكيل فرقة موسيقية ذات طابع شرقي في حين يسعى كثرٌ من الموسيقيين الشباب العرب إلى إنشاء فرق ذات طابع غربي، وإن مزجت نتاجها بنكهة مشرقية؟ «لا شك أن تجربة تشكيل فرقة شرقية من هذا النوع كانت مسلية وغنية»، يجيب كيالي، «فالعالم العربي، والأردن تحديداً، أمام طفرة تعبيرية على مختلف الصعد، أطلقها الربيع العربي، والموسيقى بالطبع جزء من هذه الطفرة. أعتقد أن هناك إقبالاً كبيراً وطلباً على الموسيقى الجيدة، بصرف النظر عن أصولها، أي غربية كانت أو شرقية، ولحسن الحظ كانت ردود الفعل على حفلاتنا العام الماضي ممتازة ومشجعة». لكنه يرى أن «الشيء الوحيد المؤسف هو انتماء المؤسسات الثقافية المختلفة في الأردن إلى ما قد نسمّيه مرحلة الأحكام العرفية والقرن العشرين، ولم تواكب التحولات الثقافية السائدة، إذ لمسنا أنها ما زالت تعمل بطريقة «الشللية» والمحاباة، وقد تعرقل عمل من لا ينتمي إليها، لكن في المجمل الجو الموسيقي مشجع ومحفز على تشكيل الفرق. وأرى أن ثقافة الموسيقى والموسيقيين في الأردن تتغير نحو الأفضل». ويضيف أن تشكيل الفرقة بالنسبة إليه كان نتاجاً طبيعياً لرغبته في الإلتحاق مجدداً بالوسط الفني والموسيقي الأردني، في شكل مختلف وخاص. درس كيالي آلة العود من 1989 إلى 1996، في المعهد الوطني للموسيقى، على يدي صخر حتر، كما درس آلة التشيلو تحت إشراف علي حسين موسى في المعهد ذاته، من 1997 إلى 2000، وشارك في العديد من المهرجانات والعروض والمسابقات الموسيقية في الأردن والخارج، ضمن فرق المعهد وبصفة شخصية أيضاً. وبعد إنهاء دراسته الجامعية في الولاياتالمتحدة عاد إلى الأردن وعمل في مجالات غير الموسيقى، «لكن ظلت عندي رغبة في العمل الموسيقي الجاد، فشاركت كضيف في بعض عروض فرقة عمّان للموسيقى العربية، وشكّلت فرقة «جذور» بعد حفلات شخصية بمصاحبة زملاء وأساتذة لي... أحسست أن في إمكان فرقة من هذا النوع المساهمة في ما ينتج موسيقياً، أردنياً وعربياً... الفرقة لها رسالة هادفة وهي نقل الموروث الموسيقي الشرقي إلى المستمع بطريقة لائقة، وآمل أن ينال عملنا تقبّل الجمهور واستحسانه». اختار كيالي التخصص في آلة العود، بمحض الصدفة، كما يقول، «فعندما كنت في السادسة من عمري رغبت في تعلّم العزف على الساكسوفون، وبعدما التحقت بالمعهد اكتشفت أن حجمي، الصغير آنذاك، يحول دون دراستي العزف على هذه على الآلة، وكان علي أن أختار آلة أخرى. وبعد استنفاد الآلات الغربية كلها، التي إما لم أحبّها أو لم أستطع تعلّمها لصغر حجمي، اخترت العود، فجاء الأستاذ صخر وأخذ مقاسي للتأكد... وبدأ المشوار». ويذكر كيالي أن الحظ حالفه خلال دراسته العود بوجود الفنان منير بشير في عمّان، «وكان الأستاذ منير، رحمه الله، مقرباً من والدي الذي نشر مذكراته، فاعتنى بي ووجّهني إلى أساليب تمرين وأداء نقلت عزفي نقلة نوعية من طالب متوسط إلى متقدم، وأنا ممتن لهذه الوصاية التي لا تقدر بثمن». ويضيف: «على رغم دراستي الأكاديمية في أميركا (بكالوريوس اقتصاد وعلاقات دولية وماجستير علوم سياسية) واصلت العزف، وشجّعني على ذلك الاهتمام الكبير في الوسط الثقافي الأميركي، في مدينتي بوسطن وشيكاغو، بالعود والموسيقى العربية». لا يعتبر كيالي الموسيقى مهنته، «لكن يصعب عليّ تخيل مستقبلي من دونها، مشاريعي المستقبلية تتمحور حول إيجاد التوازن بين حياتي العملية (في الصحافة والنشر حالياً) والموسيقى، وآمل في الاستمرار بالعزف والأداء بل وخوض غمار التأليف، وأن تستمر ردود فعل الجمهور الطيبة».