يدور كلام الرئيس الفرنسي على قرب الخروج من الأزمة الأوروبية. ولكن على رغم دوران عجلة الحلول، لا يسعنا القول إن دينامية الأزمة ثُبطت، فطيف «التذرر» المالي (غياب الاتفاق الاقتصادي والعقد المصرفي المشترك...) لمنطقة اليورو لا يزال مخيماً، ودوامة الانكماش تعصف بأوروبا الجنوبية، والنزاعات السياسية محتدمة في مجتمعات تمتحنها ظروف عصيبة. وحددت منطقة اليورو اتجاهات للخروج من الأزمة، لكن عدداً منها بقي حبراً على ورق. وقمة حزيران (يونيو) كانت منعطفاً، لكن أوروبا قد تخيب الآمال في تعافيها. ويسري اتفاق الموازنة في كانون الثاني (يناير) المقبل. والانتقال إلى مرحلة إرساء بنى رقابةٍ تعزِّز سبل مكافحة الانكماشات وتذكّر بمعايير الحذر والحكمة في مراحل الانتشاء بالازدهار واعدٌ، وإيلاء الأولوية لإجراءات، مثل سبل تجنب الأزمات عوض تقويم اختلال الموازنة وتحفيز إرساء أطر وطنية (محلية) تتولى شؤون الموازنة، مصيبٌ وفي محله. لكن الانشغال بالموازنات انساق إلى المغالاة، وليس مرد مشكلات إرلندا وإسبانيا إثر انفجار فقاعتيهما العقاريتين إلى شطط إنفاق الموازنة. ولا يُستخف بالجانب المالي من الأزمة، فالأمور بلغت مبلغ اضطرار الشركة الواحدة إلى الاقتراض بمعدلات فائدة متباينة في شمال أوروبا أو جنوبها. وقرار المصرف المركزي الأوروبي شراء سندات قصيرة الأمد خلّف أثراً إيجابياً في معدلات الفائدة بإسبانيا وإيطاليا، لكن المشكلة لم تذلّل بعد. قرار تفويض المصرف المركزي الأوروبي الرقابة على المؤسسات البنكية في منطقة اليورو في محله، ويترتب عليه إرساء إدارة أوروبية مشتركة للأزمات المصرفية. ومثل هذا القرار يحول دون تكرار ما حصل في إرلندا، حيث خسرت الدولة 40 في المئة من ناتجها القومي لإنقاذ القطاع المصرفي، أو في إسبانيا التي انزلقت إلى دائرة مغلقة يتعاظم فيها وهن الدولة على وقع كل خبر مصرفي سيء. أما فصول الأزمة اليونانية فلم تنته بعد. ويرجح أن توفر مبالغ تمول اليونان على الأمد القصير، لكن المستثمرين لن يُقبلوا على أسواقها، ولن يتعافى اقتصادها طالما بقي سيف خروجها من منطقة اليورو مسلطاً. لذا، يدعو صندوق النقد الدولي إلى تقليص الديون العامة لتقليص الخسائر المترتبة على ديون الإنقاذ. وتقليص الديون يُظهر أن الأوروبيين متمسكون ببقاء اليونان في منطقة اليورو. ولكن من المستبعد أن تؤيد أنغيلا مركل، المستشارة الألمانية، مثل هذه الخطوة على مشارف الانتخابات. والسبيل إلى الحل قد يكون الجمع بين تخفيف دين اليونان عبر ربط سداده بنمو البلاد، وبين مبادرات أوروبية قوية تحفز تعافي الاقتصاد. والتباين كبير بين فداحة الأزمة اليونانية ونتائجها وبين ضعف دور المؤسسات المفوضة تذليل الأزمة. * مدير مركز بروغيل، عن «لو نوفيل اوبسرفاتور» الفرنسية، 25/10/2012، إعداد منال نحاس