خرج «حزب الشعب الجمهوري» المعارض الذي أسسه كمال مصطفى أتاتورك، باني تركيا الحديثة، من عباءة الأتاتوركيين ليُقرّ بقيادة رئيسه كمال كيليجدارأوغلو ما اعتبرها أنصار الأخير أضخم خطوة نحو التحوّل إلى حزب يسار الوسط، فيما رأى فيها التيار الأتاتوركي المتشدد داخل الحزب خروجاً من عباءة الزعيم الراحل وجنوحاً نحو الوسط بل حتى «الإسلام السياسي». هذا التغيير جاء في إطار مؤتمر طارئ عقده الحزب، بعدما اتهم التيار الأتاتوركي كيليجدارأوغلو بالفشل في قيادة الحزب أثناء الانتخابات الرئاسية البلدية، ودفعه نحو تيار اليمين الإسلامي، من خلال ترشيح «وجوه قومية وإسلامية من خارج الحزب». وعلى رغم خروج كيليجدارأوغلو منتصراً من هذا الامتحان الصعب، من خلال إعادة انتخابه رئيساً للحزب، إلا أنه تلقّى ضربة قوية، إذ إن منافسه على الزعامة محرم إنجه، وهو مساعد سابق له، نال 415 صوتاً في مقابل 740 لكيليجدارأوغلو. وهذا رقم ضخم نسبياً، خصوصاً أن الذين دعموا ترشيح إنجه بالكاد تجاوزوا المئة. لكن كيليجدارأوغلو نجح في إجراء التغييرات التي يريدها على المكتب السياسي للحزب، من خلال جمع الأضداد فيه، إذ ضمّ إليه السياسي الإسلامي محمد بكار أوغلو الذي رافق سابقاً نجم الدين أربكان في رحلته السياسية والمعروف بسجله في الدفاع عن حقوق الإنسان، إلى جانب الصحافي طونجاي أوزكان والمدعي العام السابق إلهان جيهانار، وهما من أبرز المتهمين سابقاً في قضية تنظيم «أرغينيكون» الانقلابي، مع الصحافي الليبرالي أنيس بربرأوغلو الذي كان يرأس تحرير «حرييت»، أبرز صحيفة ليبرالية في تركيا. وأعلن كيليجدارأوغلو خلال المؤتمر الطارئ أنه «سينظّف الحزب من المنظّرين والمتآمرين ومن كل مَن لا يعمل إلا بلسانه»، مضيفاً أنه يريد «كوادر حزبية تعمل على الأرض ولا تحترف النخبوية وتنعزل عن الناس وتفسّر العلمانية خطأً». ونفى اتهامات خصومه بخروجه من عباءة أتاتورك، قائلاً: «بعض النخبويين في الحزب استغلّوا اسم أتاتورك لتفسير العلمانية واليسار على مزاجهم، وأتاتورك ليس ملكاً لأحد من دون آخرين». وانشغلت وسائل إعلام بالمقارنة بين المؤتمرين الحزبيَّين ل «الشعب الجمهوري» المعارض وحزب «العدالة والتنمية» الحاكم، واللذين نُظِما في الوقت ذاته تقريباً. وركّزت تلك الوسائل على أن حزب المعارضة دخل المؤتمر بمرشحَين قويَّين تنافسا بقوة لكنهما خرجا يداً بيد، من دون أن يفقد الخاسر مقعده في الحزب، بعدما رضي بالنتيجة وقبِل العمل في إطار سياسة الرئيس الفائز. كما سُمِح لصحيفة «جمهورييت» التابعة للحزب بانتقاد رئيسه في صفحتها الأولى، إذ عنونت «ضربة قوية للزعيم في المؤتمر»، تعليقاً على نتيجة الاقتراع. في المقابل، لم يشهد مؤتمر الحزب الحاكم أي نقاش وكان الفائز فيه مقرراً سلفاً، كما أن التدابير الأمنية حول مقر انعقاده كانت ضخمة لدرجة أثارت تساؤلات عن سبب حاجة حزب يكسب ثقة نصف الناخبين، لحماية أمنية فيما لا يشعر حزب المعارضة الذي يحصد نصف أصوات «العدالة والتنمية» فقط، بأي حاجة لحماية. لكن انتقادات قوية وُجِّهت ضد «حزب الشعب الجمهوري» في شأن فوضى معتادة شابت التنظيم، بسبب «الحديث والتنظير في شأن أفضل السبل لتنظيم المؤتمر، في غياب الفعل الحقيقي أو التنفيذ». وهذا ما دفع صحيفة «جمهورييت» إلى التساؤل: «كيف سيحكم الدولة حزب لا يستطيع حتى الآن أن ينظّم مؤتمراً حزبياً ناجحاً»؟