أبدت دول كثيرة في السنوات الأخيرة تشددها في مكافحة التدخين عن طريق إصدار تشريعات صارمة. فقضت بمنع استهلاكه في الاماكن العامة والخاصة، وفرضت غرامات مالية باهظة على المخالفين افراداً ومؤسسات، ومنعت عرض علب السجائر في واجهات مكشوفة، وازالت جميع العبارات التي تروج لتسويقها، وضاعفت الرسوم عليها بين الحين والآخر. ولئن خلفت هذه الاجراءات ارتياحاً كبيراً لدى الهيئات المدنية والصحية، وأدت كما تشير الاحصاءات العالمية، الى نتائج ايجابية تجلت بتدني نسبة المدخنين، الا ان هذه الاجواء المتفائلة بمكافحة التدخين لم تدم طويلاً، اذ سرعان ما أدى ظهور السجائر الالكترونية الى سجالات ودراسات متباينة حول ما تختزنه من مغريات واسرار.فبادئ الامر جرى تداولها سراً وعبر الانترنت وتم الترويج لها على انها حل يساهم بالاقلاع عن التدخين التقليدي، وانها «صحية» و«خالية من النيكوتين» او من أية مواد سامة او مسرطنة، ويمكن تدخينها في الاماكن العامة والمغلقة، وتتناسب مع اذواق المدخنين. ورافقت هذه الموجة الدعائية أبحاث واستطلاعات عديدة بعضها ينفي أي ضرر من استهلاك السجائر الالكترونية، وبعضها الآخر يؤكد ان خطورتها لا تقل عن نظيراتها التقليدية. ودخلت على خط هذه المواقف المتناقضة، حكومات وهيئات دولية، بعضها أجاز استهلاكها كالولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا (الدولة الوحيدة في العالم التي خصصت قاعة لمدخني السجائر الالكترونية في مطار هيثرو) وكندا أخيراً ، وبعضها الآخر رفض تشريعها مثل هولاند والنروج ، ومنها لا يزال يشكك ويبحث وينتظركمظمة الصحة العالمية التابعة للامم المتحدة. علنت جمعية السرطان الكندية في دراسة حديثة أجريت في عدد من المدارس الابتدائية والمتوسطة، ان تلميذا واحدا من اصل ثلاثة يدخن السيجارة الالكترونية، اي ما مجموعه حوالى 142 الف مراهق. كما اشارت الى ان 22 في المئة من طلاب مقاطعة كيبيك يدخنونها بشكل متقطع. ولفت اندريه بوليو المتحدث باسم الجمعية الى «اننا نستغرب رؤية أولاد في اعمار 12 سنة واقل يمسكون بالسيجارة الالكترونية ويتباهون بتدخينها، ما يثبت انهم لا يشعرون بمخاطرها الجسيمة على صحتهم». ولم يكتف بوليو باعلان استغرابه وحسب وانما ندد بتقاعس الحكومة الفيدرالية التي لم تلجأ الى تنظيم المنتجات السامة او التحذير منها او مراقبتها قبل ان «تغزو اسواقنا وتعبث بصحة اطفالنا». واتهم الشركات المنتجة للسجائر الالكترونية بتماديها في اجتذاب الاطفال واستغلال سذاجتهم واغرائهم لا سيما الفتيات، بنكهاتها المحلاة بالشوكولا والفواكه والكاراميل وغيرها، الامرالذي يؤدي الى تمسكهم بها وادمانهم عليها. وما يقلق جمعية السرطان، ان 18 في المئة من الطلاب الذين لم يكن لهم اية تجربة سابقة في التدخين، يقبلون اليوم على السجائر الالكترونية. وتقدر اعدادهم بحوالى 48 الفاً. وفي سياق مكافحة التدخين الالكتروني، أجرت جامعة مونتريال اخيرا دراسة مفصلة حول 6 (ماركات) من السجائر الالكترونية الاكثر رواجا والمذيلة بعبارة « خالية من النيكوتين «.واكدت فيها بعد سلسلة من الاختبارات، انها تحتوي على هذه المادة السامة (النيكوتين). وطالبت الدراسة هيئات المجتمع المدني والهيئات الصحية والتربوية الى تنظيم حملات واسعة لمكافحة التدخين الالكتروني، واصدار قوانين صارمة مماثلة لتشريعات الحظرعلى سجائر التبغ العادية. ويبدو ان صدى هذه الدراسة وصل الى مسامع وزيرة الصحة العامة لوسي شارلبوا التي اعلنت ان «العمل جار على اعادة النظر في قوانين مكافحة التدخين بما فيها التدخين الالكتروني».