عندما احتفل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعيد ميلاده ال60، وضع مجموعة من متسلقي الجبال صورة للزعيم الروسي على قمة جبل ارتفاعه 4150 متراً، واصفين إياه بأنه كفيل بتحقيق السعادة وإرساء الاستقرار، وأضافوا: «وضعنا صورة بوتين على صخرة نعتبرها غير قابلة للكسر وأبدية مثل بوتين». ولكن مع قرب انتهاء 13 عاماً أمضاها في الحكم، يشعر الروس بالتعاسة في شكل كبير ويزداد القلق إزاء الاستقرار السياسي والاقتصادي طويل الأمد. ويقول مصرفي كبير في موسكو إن روسيا تصدّر ثلاثة أشياء بكميات كبيرة: الموارد الطبيعية ورأس المال والناس. وبالنسبة للأمر الأول يمكن أن يعتبر صحياً ومستداماً، في حين أن الأمرين الآخرين يلمحان إلى أن الأثرياء الذين يمثلون أقلية في البلاد والمواطنين العاديين على حد سواء، يديرون ظهرهم لروسيا في ظل حكم بوتين. ووفقاً لاستطلاع للرأي نشرت نتائجه في أيلول (سبتمبر)، يرغب نحو ثلث سكان المدن بالهجرة، وارتفعت النسبة بين الشبان إلى نحو النصف. وأكثر الأماكن التي يودون الهجرة إليها أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا. والسبب وراء هجرة المواهب والمال هو ازدياد الشعور بين المثقفين بأن بلادهم تسير في الاتجاه الخاطئ ومن غير المرجّح أن يحدث أي تغيير. وبدأ الأمر كله في شكل مختلف، فقد خلف بوتين بوريس يلتسن في الرئاسة في 31 كانون الأول (ديسمبر) 1999. وانتعش الأمل خلال سنوات حكمه الأولى إذ حلّ النظام محل الفوضى. وعزز ذلك وزراء اصلاحيون، في مقدمهم وزير المال ألكسي كودرين ووزير الاقتصاد جرمان غريف، أنعشوا الآمال بحدوث تغيير حقيقي لزيادة الاستثمارات الخاصة وتحديث الصناعة والبنية الأساسية وخفض الاعتماد على صادرات المواد الخام. وفي آذار (مارس) الماضي، بدأ بوتين فترة ولاية رئاسية جديدة مدتها ستة أعوام ودعاه أنصاره للبقاء في السلطة حتى عام 2024. ظاهرياً فان جدول أعمال بوتين الإصلاحي مستمر، والرئيس وحكومته مستمران في الحديث عن التطوير، وهو مفهوم كان محبباً للقياصرة الروس لقرون. وقال بوتين في منتدى اقتصادي عقد أخيراً أن حكومته ستنفذ برنامجاً رئيساً للتحوّل من أجل بناء اقتصاد جديد وتوفير أو تحديث 25 مليون فرصة عمل، مضيفاً أن روسيا ستصدّر السلع والخدمات المبتكرة. إلا أن الواقع الميداني يشير إلى اتجاه مختلف. خلال ولاية ديمتري ميدفيديف الرئاسية (2008 – 2012) التي ظل بوتين يتمتع فيها بالسلطة بصفته رئيساً للوزراء بدأت الأوضاع تتغير. فقد اعتقل الزعماء المعارضون بتهم تقول منظمات لحماية حقوق الإنسان إنها ملفقة، وفرضت قيود جديدة على الإنترنت... ولم يعد غريف وكودرين في الحكومة، وهناك إشاعات في موسكو تفيد أن بوتين سيقيل ميدفيديف قبل نهاية العام. والنمو يمضي قدماً، لكن يوجد في موسكو أكبر عدد من البليونيرات في العالم، ويتفشى الفساد وثروة البلاد الكبيرة غير موزعة في شكل عادل. وتراجعت مصداقية ميدفيديف وسط الناخبين بعد أن ابتعد عن السلطة مفسحاً الطريق أمام عودة بوتين إلى الكرملين. ويشعر أنصاره باليأس من وجود أي فرصة لتغيير حقيقي في الاقتصاد الذي يسيطر عليه الكرملين في شكل كبير. وتوضح هذا الاتجاه صفقة عملاقة أبرمتها الشهر الماضي شركة روزنفت النفطية التي تسيطر عليها الدولة، وستستحوذ بموجبها على «تي إن كيه- بي بي» ثالث أكبر شركة منتجة للنفط، في مقابل 55 بليون دولار. وفي الوقت الذي تتباهى الحكومة بهذا الإنجاز، يحوّل أثرياء روسيا مزيداً من الأموال إلى الخارج بسبب ضعف الاستثمارات. ويقدّر أندريه كليباش نائب وزير الاقتصاد خروج ما بين 50 و60 بليون دولار من رأس المال الخاص هذا العام. ويتكهن «بنك أورالسيب» في موسكو أن الرقم قد يتجاوز 80 بليوناً. والفساد من أكبر المشاكل في روسيا بالنسبة للمواطن العادي ورجال الأعمال والمستثمرين الأجانب. وانزلقت البلاد إلى المرتبة 143 من بين 182 بلداً في مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، وهو الترتيب الذي تحتله نيجيريا. وأضحت كلمة «زاستوي» أو الجمود بالروسية تتردد على ألسنة كثيرين من سكان موسكو. وهو مصطلح أستخدم لتوصيف السنوات الأخيرة العجاف من حكم الزعيم السوفياتي ليونيد بريجنيف في السبعينات وأوائل الثمانينات لكنه يُستخدم في شكل متزايد حالياً.