أُجبر المغرب على ابتلاع مرارة هزيمة ديبلوماسية في تعاطيه والموفد الدولي إلى الصحراء كريستوفر روس. وبعد أن ردد طويلاً أنه سحب ثقته من الديبلوماسي الأميركي وأنه يطالب بتغييره «كونه اتخذ موقفاً منحازاً»، اضطر المغرب مجدداً إلى فتح ذراعيه للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة. ولاحظت مصادر ترصد تطورات ملف الصحراء أنها المرة الأولى التي يقوم فيها موفد دولي بهذا الحجم بزيارة المحافظات الصحراوية الواقعة تحت نفوذ المغرب بعدما كان سابقوه يكتفون بمحاورة المسؤولين عن الملف في العاصمة الرباط. إلى ذلك، صرّح روس بأن محادثاته مع العاهل المغربي الملك محمد السادس ووزراء في الخارجية والداخلية «قدّمت مساهمات قيّمة في البحث عن وسيلة ناجعة للمضي قدماً في تسوية نزاع الصحراء». ورأى أن زيارته للمغرب ودول الجوار ومخيمات تندوف جنوب غربي الجزائر تأتي في إطار مواصلة المهمة التي كلفه بها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في سياق التزام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، محدداً إياها في «تسهيل المفاوضات المباشرة بين الأطراف كافة» للتوصل إلى «حل سياسي عادل ودائم ومقبول». وكشف الموفد الدولي أنه على رغم مضي أربع جولات من المفاوضات المباشرة برعاية سلفه بيتر فان فالسوم وتسع جولات غير رسمية رعاها شخصياً «لم يتم إقرار أي تقدم»، مؤكداً أن جولته الراهنة إلى المنطقة تتوخى «تقويم مفاوضات السنوات الخمس والتماس أفكار حول أفضل السبل لإحراز تقدم حقيقي»، إضافة إلى الإحاطة ب «التطورات الأخيرة في شمال أفريقيا والساحل وبحث تأثيرها في قضية الصحراء». وأعلن أنه «يريد المساهمة في التوصل إلى حل يُنهي معاناة الأسر المشتتة منذ 37 عاماً»، في إشارة إلى توزّع إقامة المتحدرين من أصول صحراوية بين المغرب ومخيمات تندوف وشمال موريتانيا. ورأى أن ذلك الحل «يجعل من الممكن إكمال بناء اتحاد المغرب العربي» وتعزيز الأمن والاستقرار في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل جنوب الصحراء. وأوضح أن سينقل استنتاجاته إلى الأمين العام للأمم المتحدة لدى عودته إلى نيويورك. وسيعرض تقريراً إضافياً بهذا الصدد أمام مجلس الأمن نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. بيد أن بيان البلاط الملكي الذي صدر في أعقاب اجتماع العاهل المغربي والموفد الدولي روس أكد أن اللقاء يندرج في سياق تحديد آفاق وساطة الأممالمتحدة لجهة «إيجاد حل سياسي للنزاع مقبول من لدن الأطراف»، وعاود التأكيد على مضمون اتصال هاتفي بين الملك محمد السادس والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في 25 آب (أغسطس) الماضي خلص إلى أن روس «سيضطلع - ضمن الإطار المحدد من طرف مجلس الأمن - بمهمته المتعلقة بتقدّم عملية التسوية»، وكذلك «المساهمة في إقامة علاقات ثنائية منشودة مع الجزائر». وأفاد البيان بأن العاهل المغربي أكد التزام بلاده القيم الكونية للسلام، وأنه «يبقى ملتزماً البحث عن حل للنزاع المصطنع، على أسس سليمة ودائمة وفي إطار اقتراحه الحكم الذاتي الموسع». كما جدد العاهل المغربي تمسك بلاده بإرساء علاقات أخوية ونموذجية مع الجزائر كونها لبنة أساسية لبناء مغرب عربي موحد «في ظل مناخ إقليمي يشهد تطوراً مستمراً» ويطبعه بخاصة «تنامي التهديدات الأمنية في الساحل والصحراء». وكان لافتاً أن المبعوث روس اجتمع إلى نشطاء حقوقيين وشخصيات مستقلة لوضعها في صورة التطورات. ونُقل عنه القول إن دوره «لا يكمن في تأييد هذا الاقتراح أو ذاك، بل البحث في تقريب وجهات النظر» المتباينة وبخاصة بين المغرب وجبهة بوليساريو. وقال إن مهمته تطاول «تسهيل المفاوضات». وأفاد مشاركون في اللقاء الذي التأم في منزل شقيقة الموفد الدولي إلى اليمن جمال بن عمر في ضواحي الرباط بأن الحوار كان صريحاً وشمل كل المحطات التي أدت في وقت سابق إلى اندلاع أزمة بين السلطات المغربية والموفد كريستوفر روس بخاصة مضامين آخر تقرير للأمين العام للأم المتحدة بان كي مون. لكن روس أوضح أنه مهتم بالبحث عن صيغة تفاهم لمعاودة استئناف المفاوضات المباشرة. على صعيد آخر، أفاد بيان البلاط الملكي بأن العاهل المغربي الملك محمد السادس عيّن مؤرخ المملكة عبد الحق المريني ناطقاً رسمياً باسم القصر الملكي، مشيداً بالخصال الحميدة التي يتحلى بها. ويُعتبر المريني الذي عرف بانشغالاته الفكرية والأدبية، ثاني مسؤول مغربي يتولى هذا المنصب، خلفاً للدكتور حسن أوريد رفيق دراسة الملك محمد السادس الذي شغله لفترة حوالى ست سنوات. ومنذ العام 2005، بعد تعيين أوريد محافظاً في ولاية مكناس، ثم مؤرخاً للمملكة، ظلّ هذا المنصب شاغراً. واكتفى البلاط الملكي بإصدار بيانات رسمية تعرض للأنشطة الملكية. ولاحظت المصادر أن التعيين الجديد جاء عقب زيارة العاهل المغربي منطقة الخليج، إذ كان مستشاروه يقدمون إيضاحات حول سير المحادثات وآفاق العلاقات المغربية - الخليجية، ما اعتبره بعض الأوساط سحباً لصلاحيات حكومة عبدالإله بن كيران، بخاصة في بعض القضايا المرتبطة بالتدبير الاقتصادي والمالي. وظهر منصب الناطق الرسمي باسم القصر للمرة الأولى في ستينات القرن الماضي إذ كان الراحل مولاي حمد العلوي أول من شغل هذه المهمة في عهد الملك الراحل محمد الخامس قبل أن يصبح وزير إعلام. واختفى المنصب طوال أربعة عقود من حكم الراحل الحسن الثاني.