لا تخلو أحاديث مسلمي ميانمار البالغ عددهم 30 شخصاً قدموا ضيوفاً على نفقة خادم الحرمين الشريفين في مشعر منى خلال الأيام الماضية، عن ذكريات مسكونة بالحزن والألم الناجم عن عمليات القتل والإبادة التي يتعرضون لها على يد الحكومة البوذية في بلادهم، إذ يمكن القول إنك تستطيع تمييز وجه البرماوي القادم من بلاد على حدود الصين والهند وبنغلاديش كون الحزن ماركة مسجلة على وجوههم. وقصصهم تدور في دائرة حدودها الألم، فمنهم من فقد والده، وآخر ابنه، والثالث زوجته أو ابن عمه، خلافاً لما هجروا من منازل عاشوا فيها ذكريات الطفولة والدفء الأسري، وأصبحت حالها الآن تدل على أن إنساناً كان يسكن هنا. ويصف الحاج أمين حسين الذي قتل عمه مدافعاً عن بيته وأهله على أيدي الجماعات البوذية، الوضع في بلاده ب «المأسوي»، فصعوبة الحياة في إقليم آراكان الذي تناقل العالم خلال الأشهر الماضية، أخبار عمليات القتل والإبادة والتهجير ما زالت مستمرة. فأسرة أمين حسين (46 عاماً)، وهو أب لستة أبناء من زوجتين، هجرت وطنها عاصمة ميانمار «يانغو» حتى يسلم من الأذى والقتل، إذ أصبح ميسور الحال بعد عمله في مجال الدعوة والإسلام بدار الأرقم، والذي كانت دراسته في الجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة قبل 10 سنوات، مكتسباً منها حب الدعوة إلى الإسلام. ويقول أمين «اكتسبت من خلال دراستي في المدينةالمنورة حب الدعوة إلى الله، وكوّنت علاقات وصداقات أفادتني حينما رجعت إلى ميانمار، فبعض فاعلي الخير في السعودية يرسلون لي صدقات ومساعدات للفقراء، ومن فقدوا منازلهم نعينهم على ما ألم بهم من قبل الجماعات البوذية، ونحن نأسف على موقف دولة بنغلاديش المسلمة التي أعانت الظالمين على القتل ولم تنصف المسلمين هناك». ويوضح أمين أن كلفة الحج المادية صعبة كونها تبلغ ستة آلاف دولار للفرد الواحد، مضيفاً «وهي عالية جداً، ومتوسط قيمة الدخل في ميانمار ضعيف ولا يمكنه تحمل هذه الكلفة». ويشير أمين إلى أنهم مسالمون مع الطوائف المتعددة ولكنهم يثيرون العداء علينا ولا يريدون العيش معنا أو مشاركتنا في الهوية فهم لا يعترفون بوطنيتنا وحقوقنا وواجباتنا في الوطن الذي يجمعنا بهم. ولم تختلف حال زبير رشيد عن قصة أمين، فالحزن واضح الأثر عليه كونه فقد أخاه و ثلاثة من أصدقائه في عملية قتل وصفها زبير ب «الشنيعة»، فبعد أن كانوا سوياً في أحد الأماكن بإقليم آراكان فاجأتهم جماعة من 10 أشخاص اعتقلوهم وذهبوا بهم إلى سجن بعيد عن قريتهم وقاموا بتعذيبهم وقطعوا أرجل صديقه وتركوه غارقاً في دمه حتى توفي، وأطلقوا رصاصة على رأس أخيه. وفضل زبير عدم الاستمرار في الحديث وتذكر ما حصل في تلك الليلة، مكتفياً بالقول «دعوت الله في هذا الحج وفي هذا المكان الطاهر أن يتغمدهم برحمته، وأن يجمعنا بهم في الجنة وأن ينصرنا على من ظلمنا، فكل ما نريده هو العيش بسلام وأمان في بلادنا».