بعد ماراثون طويل في عالم الموسيقى والفنّ الكرديين، زاد على نصف قرن من العطاء الفنِّي. وبعد أن أثرى المكتبة الموسيقيَّة الكرديَّة بعشرات الألبومات، وما يقارب الألف أغنية، تاركاً بصمة دامغة وقويَّة، وأسلوباً خاصّاً ومتفرِّداً يمكن اعتباره مدرسة خاصَّة، أو اتجاهاً فنِّياً خاصّاً به، فَقَدَ عالمُ الغناءِ الكردي أحد أبرز أساطينه، وهو الفنان الكردستاني المشرب والثقافة والانتماء، الأرمني الأصل، آرام تيغران. وكانت وكالة فرات للأنباء، وقناة «روج تي في» الكرديتان، أعلنتا أن آرام، قد أصيب بجلطة دماغيَّة في العاصمة اليونانيَّة أثينا، يوم 6/8/2009. على إثرها، أدخِل قسم العناية المشددة في مستشفى «فان غليسمان» بأثينا. وفي 8/8/2009، أسلم آرام تيغران روحه إلى بارئها، وأغمض عينيه إلى الأبد، مُبقياً حنجرته مشرَّعة على الغناء إلى الأبد. هذا، وأعلنت عائلة الراحل أن آرام، أوصى بدفنه في ولاية دياربكر، كبرى المدن الكرديَّة، جنوب شرقي تركيا، والتي يعتبرها الأكراد عاصمتهم التاريخيَّة والثقافية، وثقلهم السياسي في تركيا. وصرَّح عمدة المدينة، عثمان بايدمير؛ أنَّ البلدية، ستجهِّز جنازة مهيبة تليق بفنان كبير، من وزن آرام تيغران. في القامشلي، أو قامشلو، أو «مدينة العشق»، كما يسمِّيها أكراد سورية، فتح الطفل الأرمني آرام تيغران عينيه على هذه الدنيا، يوم 15/1/1934. وبدأ رحلته مع الفنّ في فترةِ الشباب، وغنَّى بالأرمنيَّة والعربيَّة والكرديَّة، عازفاً على آلة الجنبش. وهي آلة وتريَّة، تجمع بين البزق الكردي والعود العربي، والماندولين اليوناني. وربما تكون آلة فارسيَّة، نجح آرام في استنطاقها بموسيقى كل شعوب «بلاد ما بين النهرين». ولكن، سرعان ما مال آرام إلى الغناء الكردي، مرجِّحاً إيَّاه على الغناء بلغته الأمّ. وفي عام 1966، وبصحبة والده ووالدته وبعض أفراد أسرته، سافر إلى يريفان، عاصمة الجمهوريَّة الأرمنيَّة، التي كانت وقتها ضمن الاتحاد السوفياتي السابق، واستقرَّ هناك. وواصل مشواره الفنّي، وتسجيل أعماله الموسيقيَّة. وكان دائم التردد على القسم الكردي في إذاعة يريفان، التي كانت تبثُّ أغانيه. إلاَّ أنَّه لم يقطع أواصره بقامشلو، وكان دائم التردد عليها بين الفينة والأخرى. بخاصّة، في حقبة التسعينات. شارك وشاطر آرام تيغران الشعب الكردي أفراحه وأتراحه. غنَّى للعشق الكردي. غنَّى للغة الكرديَّة. غنَّى للنضال والكفاح والثورة الكرديَّة، وللسجناء والمقاتلين والشهداء الأكراد، وكان على علاقة صداقة حميمة مع الزعيم الكردي عبدالله أوجلان المعتقل حالياً في سجن جزيرة إمرالي منذ 10 سنوات. وكان أوجلان دائم السؤال عن آرام، عبر محاميه، خصوصاً في الآونة الأخيرة. غنَّى آرام الأغاني التراثيَّة الكرديَّة. كما غنَّى للانكسار الكردي. غنَّى للطبيعة، وللأمهات والأطفال الأكراد...، ويكاد لا يمكن الحديث عن تفصيل بسيط من تفاصيل الحياة الكرديَّة، إلاَّ وأخذ حيَّزاً من العطاء الفنِّي لآرام تيغران. كان دائم الحضور في الأعياد الدينيَّة والاجتماعيَّة والقوميَّة الكرديَّة. وآخر حضور له بين جمهوره الكرديّ، إحياؤه حفلة عيد النوروز في 21 آذار(مارس) الماضي، والتي نظَّمتها بلديَّة دياربكر، وحضرها أكثر من مليون شخص، إلى أن أتت لحظة الفراق الأليم، التي لا يمكن تأخيرها أو تقديمها، فتوقَّف قلب آرام تيغران عن النبض، بعد أن أطلق مئات الأغاني النابضة في فضاء الغناء الكردي، وغدت الأجيال الكرديَّة تردد أغانيه. رحل آرام، ضارباً أروع الأمثلة الحيَّة والخالدة في التعانق بين الشعوب والثقافات. صحيح أنَّه ليس الأرمني الوحيد، الذي ساهم في الغناء الكردي، وقد سبقه في هذا المسعى، المغنِّي العريق والكبير، غرابيت خاتشو، إضافة إلى فنانين آخرين، إلاَّ أن آرام تيغران يبقى علماً هامة، وعلامة فارقة في الموسيقى الكرديَّة. سركيس تيغران، شقيق آرام، الذي آثر البقاء في القامشلي على السفر إلى يريفان، قال عن رحيل أخيه: «من قال: إنَّ آرام مات!!؟. آرام لم يمت. ها هو يغنِّي الآن. لقد رقص وغنِّى آرام كثيراً في أعراس وأفراح الأكراد. ونحن الآن مدعوون للمشاركة في عرس آرام الذي يعقده الأكراد له في دياربكر. لقد كان آرام يحبُّ هذه المدينة، ويحبُّ الأكراد كثيراً. وكذلك كان أبيّ، الذي أحبَّ الشاعر الكردي جكرخوين. كان أبيّ أميَّاً، لكنَّه، نظَّم الكثير من الأشعار، التي غنَّاها آرام. عشق آرام دياربكر، وها هو سيدفن فيها».