أكد الشاعر محمد الضبع أن عصر رواد الحداثة الكبار انتهى، مطالباً الشعراء بتحمل مسؤوليتهم التاريخية أمام ما ينشر. وقال إن الحركة الشعرية في جازان ترفد المملكة بشعراء كبار «لا تمحى ذاكرتهم من الأذهان، وما زالت مستمرة في هذا الرفد والعطاء، وأكبر دلالة على هذا فوز صديقي الشاعر الفذ إياد الحكمي بجائزة شاعر عكاظ للشباب هذا العام»، مشيراً إلى أنه كان يتوقع فوزه، «إياد ينحت قصيدته على صخرة من الليل، يعرف كيف يبتكر الضوء جيداً، وله مع الدهشة قصة طويلة لا تتسع هذه المساحة لسردها». وحول اتجاهه للشعر في الوقت الذي أصبحت الرواية هي سيدة الموقف وموضة الشباب في تحقيق وجودهم في المشهد الثقافي، أوضح الضبع أن كل الذين اتجهوا إلى الشعر «تاهوا في بحار من الغياب والزرقة الأكثر أزلاً، الأمر ليس اختياراً ولا مفاضلة، الشعر مسألة حياة أو موت. تفتّح أو ذبول. أنت حين تعرف القصيدة تصل إلى حدائق وغابات خرافية، لا تستطيع بعدها العودة إلى اليومي والعابر. بقدر ما تأخذ منك القصيدة بقدر ما تجعلك أعمى عن كل الأشياء حولك، تأخذ منك عينيك وتهبك غيرهما، ثم تطلب منك السير في هذه الأرض الكبيرة لترى الزهرة مرة أخرى وترى الغيمة والجبل العالي المشغول باكتشاف السماء، تراها وتفكر في اكتمالها»، متسائلاً: «هل من الممكن أن تكون أجمل؟ ماذا سأفعل بكل هذه اللغة المحترقة على يدي؟ أهي الرماد أم هي البعث؟ ثم تبدأ بالكتابة وإذا التفت بجانبك لتفكر في الرواية ستجد أنها شيء آخر تماماً، صندوق سحري ينفتح على ثقافات وتاريخ وتفاصيل منسيّة ومذكورة، يحتاج ذاكرة من الألوان والأوجه والأشخاص، لسنوات من السفر داخل الإنسان، لرغبة في اتصال عميق ما، يحققه السرد وتحققه الشخوص الرماديّة المبعثرة في أنحاء الرواية، وأنا أجد أن قدمي تسير بي بعيداً عن كل هذا تسير بي نحو درج من الليل لا يستطيع جعله أكثر ظلاماً، سوى القصيدة». وفي ما يخص الموقع الذي تبدأ منه قصيدة النثر، وكذلك الموقف منها، بخاصة حين يتهافت عليها الشباب من دون وعي، قال الضبع ل«الحياة» إن الأمر لا يتعلّق بدرجات معينة ينبغي على الشاعر أن يصعدها، «كل ما عليك هو أن تبثّ في القصيدة روحك، ألمك وبكاءك، انتصاراتك الصغيرة على الطقس ومقاعد الانتظار التي لا تريحك أبداً. عليك أن تصنع تمثالاً من الجمال الأبدي الخالد، بالضعف، بالصوت الأكثر همساً، بالكلام العالي على كل قبضة وكل رصاصة. لا أحد يريد منك سيرة ذاتية تثبت فيها تاريخاً مع القصيدة، القصيدة ضد التاريخ وضد الزمن، كل تراكم يجعلنا ننظر إلى حجم المنسي والمتروك خلفنا، هو تراكم خطر يجب على القصيدة أن تولد في كل لحظة وفي كل مكان من جديد، من دون خوف أو استعداد». وأشار إلى أن المكتبات العربية «تعج الآن بإصدارات متساهلة جداً مع كلمة (شعر)، المذكرات والخواطر اليومية العابرة شيء والشعر شيء آخر تماماً. المسألة ليست استعارة مواربة، ومجاز شفّاف، وأسطر طويلة من الوصف البصري الذي لا يؤدي إلى أي مكان. صحيح أن الأجناس الأدبية تداخلت واقتربت من بعضها ولم تعد تلك الحدود الفاصلة موجودة كما كانت، ولكن تبقى جوهرة الشعر غالية وثمينة وتحتاج إلى صائغ ماهر يعرف قيمتها ويجيد تشكيلها». وقال الضبع، الذي فاز بالمركز الأول في مسابقة «ليالي الشعراء» التي نظمها نادي جازان الأدبي قبل مدة، كما كان أحد الأسماء المتميزة التي شاركت في النسخة الثالثة من برنامج «أمير الشعراء»، إن الشعراء الحقيقيين كثيرون جداً «ولديهم من الجنون والشعر ما يكفي ويزيد، وأريد أن أذكر بعض أسماء الأصدقاء الذين أتشرف بمعرفتهم شخصياً: عبدالمنعم حسن، إبراهيم حسن، علي جبريل، إبراهيم مبارك، محمد السودي، مهند طهبوب، جمال الملا. كل هؤلاء شعراء يعرفون قيمة ما يكتبون، ويضعون المعايير عالياً، يتخوفون من النشر كثيراً ويتركون الفرصة لغيرهم من المتسلّقين على القصيدة»، مطالباً أصدقاءه الشعراء «أن يتحمّلوا مسؤوليتهم التاريخية أمام ما ينشر، ويخلصوا تجاه اللغة هذه المعجزة الكبرى التي بين أيديهم. عصر روّاد الحداثة الكبار انتهى، وها هم يرحلون واحداً تلو الآخر، من سيحمل هم القصيدة بعدهم؟». وبخصوص تجربته مع دور النشر، لفت إلى أنها كانت على مرحلتين، «الأولى كانت سيئة جداً، والثانية كانت على العكس تماماً، عندما قررت طباعة الكتاب، فكرت بعدد من الدور العربية، ووقع اختياري للأسف الشديد على دار (الغاوون) وعلى صاحبها المدعو (ماهر شرف الدين). بدأت بمراسلتهم وقاموا بالرد علي وإخباري بأنه تم قبول الكتاب للنشر، وأن علي أن أدفع مبلغاً معيناً في مقابل الطباعة، وسأحصل على عدد من النسخ، وافقت وبدأت بمراسلتهم بالتفاصيل وأخبروني أن الكتاب سيكون متوفراً في معرض الرياض للكتاب 2012. وكان هذا الكلام قبل أشهر من المعرض، والوقت يتسع تماماً للوفاء بالوعد. ذهبت إلى معرض الرياض فلم أجد أمامي سوى الوعود الكاذبة، ولم يصل الكتاب وانتهى المعرض. ولم يصل الكتاب إلا بعد شهرين لأفاجأ بأنه مطبوع بأكثر أنواع الورق سوءاً وأكثر أنواع الحبر رداءة. لم أقبل هذا الهراء وقمت بإخبارهم أنني لا أريد بضاعتهم هذه، وأنني أريد أن آخذ حقي، لكن هيهات، مماطلات من نوع احترافي جداً، عرفت بعدها ألا فائدة في الحديث معهم، واتجهت إلى (الدار العربية للعلوم ناشرون)، وقمت بطباعة الكتاب على نفقتي مرة أخرى، وها هو أخيراً يرى النور، وقد كان تعاملهم معي راقياً جداً، يصل إلى أبعد درجات الصدق والشفافية، وهذه كلمة حق يجب أن أخبر بها».