«لا أحد يشتري ملابس العيد». كان هذا رد الشاب العشريني محمود ناصر على سؤال «الحياة» عن استعداداته لعيد الأضحى، وهو الذي قضى الساعات الأولى من صباح أول أيام العيد مرابضاً داخل أحد المتاجر الشهيرة لبيع الملابس في قلب العاصمة المصرية، يحدوه أمل أخير ب «تعويض ما فاته من كسب الرزق». وقبل أن يواصل رده، يتوقف يوسف للحظة كي ينادي بصوته القوي مروّجاً لبضاعة المحل وحض الخارجين من صلاة الجمعة على الشراء. ويوضح: «إننا نعاني منذ اندلاع الثورة من ركود في عمليات الشراء، ما يجعلنا نقضي أول أيام العيد داخل متاجرنا على أمل تعويض خسائرنا في موسم الأعياد». يتوقف ناصر عن الحديث للإجابة عن طلب زبون وبعد انتهاء العرض من دون بيع يقول: «غالبية المارة يتطلعون إلى المعروضات ويسألون عن الأسعار قبل أن يغادروا من دون شراء. تواجهنا صعوبات كثيرة نتيجة ضيق الرزق الذي أصاب المصريين، ناهيك عن انتشار الباعة الجائلين في ظل ضعف القبضة الأمنية... وسنواجه مزيداً من المصاعب نتيجة القرار المرتقب من الحكومة بغلق المحال في وقت مبكر من الليل». ويضيف: «تقول الحكومة إنها تبتغي توفير الطاقة لكنها لم تفكّر في أرزاق ألوف العاملين في المحال والمقاهي الذين ستُقطع أرزاقهم». وبحلول الثلثاء المقبل، ستبدأ الحكومة المصرية تطبيق قانون إغلاق المحال التجارية في العاشرة مساء بهدف التخفيف من استهلاك الطاقة. وعلى رغم أن القانون ليس جديداً، فقد جرّبت تطبيقه حكومات النظام السابق، لكنها فشلت، غير أن حكومة الدكتور هشام قنديل تصر على تطبيقه، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط المصرية. ويرى اقتصاديون وتجار أن تطبيق هذا القانون سيضر بالاقتصاد المصري، إذ إن غالبية المصريين اعتادوا الشراء في أوقات متأخرة من الليل، كما أنه سيوقع أضراراً بالغة بسوق العمل عندما يلجأ كثير من أصحاب المتاجر إلى تصفية العاملين لديهم أو على الأقل خفض رواتبهم. كما يمكن أن يؤثر القانون في السياحة، لا سيما الخليجية التي اعتادت على «العاصمة الساهرة دوماً». ولا يُعتقد أن الحكومة المصرية ستتمكن من فرض تطبيق صارم للقانون في ظل ضعف القبضة الأمنية، إذ لم تتمكن الشرطة من تشديد الرقابة على الباعة المتجولين غير المرخّص لهم والذين شهدت تجارتهم رواجاً شديداً بعد الثورة. وفي المقابل، تدافع السلطة التي تهيمن عليها جماعة «الإخوان المسلمين» عن تطبيق القانون، وتؤكد أنه سيؤدي إلى مكاسب تُقدّر بنحو خمسة بلايين جنيه مصري، إضافة إلى خفض استهلاك الطاقة. وإضافة إلى ذلك، تُعدد الحكومة «فوائد» تطبيق القانون بأنه يسمح لشركات النظافة بالعمل في رفع القمامة في المساء، إضافة إلى الحدّ من أزمة المرور، ناهيك عن فوائد اجتماعية في القضاء على ظاهرة السهر حتى الصباح على المقاهي وأمام المحال التجارية، وبالتالي الاستيقاظ للعمل مبكراً. ومن المتوقع أن يلجأ تجار إلى تحدي القرار الحكومي على اعتبار أنه سيزيد من خسائرهم المتصاعدة منذ اندلاع الثورة. وشدد عدد من تجار قلب العاصمة الشهير بانتشار باعة الملابس والمقاهي - في أحاديث إلى «الحياة» - على أنهم «لن يسمحوا بتطبيق هذا القانون»، مشيرين إلى أن تجارة نسبة كبيرة منهم «تبدأ مع حلول الليل». وأعلنت غرف تجارية مصرية رفضها هذا القرار. وأشار رئيس اتحاد الغرف التجارية أحمد الوكيل إلى أن هذا القانون يخالف قانون الاتحاد، إذ إن قانون الاتحاد يلزم الحكومة عرض أي مشاريع قوانين عليه قبل إقرارها، لافتاً إلى أن الحكومة لم تعرض مشروع قانون إغلاق المحال التجارية على مجلس إدارة الاتحاد. ونبّه إلى أن أضرار الإغلاق المبكر أكثر من منافعه. وأوضح أن القانون سيُخفّض ساعات العمل، ما يؤدي إلى خفض العمالة أيضاً، وارتفاع معدلات البطالة، إضافة إلى تعرّض السوق لخسائر فادحة، إلى جانب خسائر السوق السياحية، ومحال البازار والتحف والأنتيكات. ودعا الوكيل إلى «تطبيق تدريجي» للقرار، معتبراً أن الحكومة تبالغ في تقدير المكاسب. وحذر من أن التجار سيتصدون لمحاولات الإضرار ب «لقمة عيشهم»، بالطرق المشروعة، ومنها اللجوء إلى القضاء.