بعد ساعات من سيطرتهم على مدينة بني وليد، المعقل السابق لمعمر القذافي، أخذ عناصر ميليشيات ليبية من مدينة مصراتة المنافسة في إطلاق رصاصهم بكثافة على مبانيها الحكومية المهجورة. هتف المقاتلون «الله أكبر» و «انتهت بني وليد اليوم»، وسعوا إلى ترك بصماتهم بالرصاص والقذائف الصاروخية على جدران المدينة التي قالوا إنها تؤوي كثيرين من أتباع النظام السابق. وعكست مظاهر الانتقام الفوضوي ضعف السلطة المركزية الليبية في مواجهة ميليشيات الثوار السابقين التي تقول إنها توالي الحكومة لكنها في الحقيقة تفعل ما تشاء. رش المسلحون بالرصاص شعاراً مرفوعاً على مصرف في المدينة حمل اسم «الجماهيرية العظمى»، الاسم الذي استخدمته ليبيا خلال حكم العقيد الراحل معمر القذافي. أما الشوارع الرئيسية في المدينة فقد كانت خالية إلا من المسلحين الذين كانوا يحتفلون في شكل عنيف بانتصارهم على مقاتلي بني وليد. وقال علي محمود وهو مقاتل من مصراتة: «مقاتلو القذافي خارج بني وليد، لقد رحلوا». وأضاف: «بعض الناس هنا ما زال يريد القذافي، ونحن علينا أن نظهر لهم أنه انتهى». وبعد أيام من القصف العنيف الذي دفع بآلاف العائلات إلى الفرار من بني وليد التي تقع على تلة، دخلت إلى المدينة يوم الأربعاء الماضي ميليشيات «درع ليبيا» التي تعمل تحت إمرة وزارة الدفاع الليبية. وقال مراد محمد وهو طالب ينتمي إلى قبيلة الورفلة ويقطن مدينة بنغازي في شرق ليبيا: «هناك بعض الأشخاص المطلوبين في بني وليد، ونحن نريد تسليمهم ولكن هؤلاء لهم حقوقهم». وأضاف: «هل تتوقع أن نسلّمهم إلى ميليشيات ليس لها أي شرعية؟». وينتمي كثيرون من سكان بني وليد إلى قبيلة الورفلة التي أيد معظمها نظام القذافي. ويخشى سكان بني وليد أن تهملهم الحكومة الليبية الجديدة كما فعلت مع مدينة سرت التي أيّدت أيضاً نظام القذافي واستفادت من سخائه عليها خلال سنوات حكمه التي ناهزت 40 سنة. ويقول مقاتلون من المسلحين الذي دخلوا بني وليد إن الحكومة أقامت لجاناً للأمن وتقديم الخدمات وتسهيل عودة العائلات التي نزحت من المدينة. ويضيفون أنهم سيبقون في بني وليد لضمان بقائها «آمنة». وقال مواطنون فروا من بني وليد إن ليس فيها ماء ولا كهرباء وإنها تعاني نقصاً في الغذاء والدواء. كما ظهرت تقارير غير مؤكدة عن دخول ميليشيات بالجرافات بعض أحياء المدينة التي يخشى بعض سكانها أن تتعرض لانتقام على يد خصومها، خصوصاً مدينة مصراتة التي وقفت على النقيض منها خلال الثورة على القذافي. ففي حين ثارت مصراتة ضده ودفعت ثمناً باهظاً لموقفها، ساندت بني وليد القذافي وقاتلت إلى جانبه. وكانت بني وليد التي يقطنها قرابة 70 ألف شخص وتقع على بعد 170 كلم جنوب شرقي طرابلس، إحدى آخر البلدات التي تستسلم للثوار العام الماضي. واتخذ سيف الإسلام القذافي نجل العقيد الراحل والمعتقل حالياً، من مدينة بني وليد ملجأ أخيراً له قبل فراره إلى الصحراء حيث تم اعتقاله ونقله إلى مدينة الزنتان في غرب ليبيا. وفي كانون الثاني (يناير) الماضي، برزت بني وليد مجدداً إلى الأضواء عندما طرد مسلحون الإدارة الموالية لحكومة طرابلس وعيّنوا مكانها إدارة أخرى. وفي تموز (يوليو)، هدد مقاتلون من مصراتة بمهاجمة بني وليد بعد احتجاز صحافيين من مصراتة فيها. وزاد الأمور تعقيداً اعتقال مقاتلي بني وليد الثائر من مصراتة عمران شعبان الذي كان أحد الثوار الذين عثروا على القذافي مختبئاً في أنبوب للصرف في مدينة سرت في 20 تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي. وقال مقاتلو مصراتة إن شعبان عُذّب حتى الموت في بني وليد، وهددوا بالانتقام. وأعطى المؤتمر الوطني العام هذا الشهر الإذن للقوات الحكومية باقتحام بني وليد لاعتقال محتجزي شعبان ومطلوبين آخرين. لكن مقاتلي بني وليد شكوا من أن القوات المهاجمة جاءت من مدينة مصراتة المتخاصمة معهم. وعلّق المقاتلون الذين دخلوا بني وليد الأربعاء الماضي صور شعبان وكذلك لرمضان السويحلي وهو من أبطال مصراتة التاريخيين على أحد المباني في وسط البلدة.