يغذي طوفان السوريين الفارين من المعارك الدائرة في بلادهم التوتر في منطقة تركية اشتهرت بالتسامح الديني ليضع الاتراك الذين يشتركون في المذهب الديني مع الرئيس السوري بشار الأسد في وضع المواجهة مع حكومتهم. ففي اقليم هاتاي الحدودي التركي حيث توجد مجموعات مختلفة من المذاهب الكنسية وسط غالبية سكان البلاد من المسلمين السنة يتزايد انتقاد الاتراك من ذوي الأصول العربية الذين يشاركون الطائفة العلوية الحاكمة في سورية اعتقاداتها الدينية للدعم غير المحدود الذي تقدمه أنقرة لمقاتلي المعارضة الذين يحاربون الحكومة السورية. والغالبية العظمى من اللاجئين السوريين شأنهم شأن مقاتلي المعارضة من المسلمين السنة وأغلبهم يؤيد الانتفاضة التي بدأت قبل 19 شهراً بما يخلق مزيجاً قابلاً للاشتعال يردد أصداء الحرب الأهلية السورية التي يتزايد الطابع الطائفي فيها. وفي حين يقول أغلب العلويين أن الصراع لم يقسم الطوائف الاصلية في هاتاي فإن بعضهم يخشى أن يتطور الأمر إلى أعمال انتقامية ويتحدثون عن حوادث منعزلة بين السنة والعلويين. وقال رجل إن قوى علوية بدأت تسلح نفسها. ومع استمرار القتال بمشاركة عناصر اسلامية من الخارج ترى في خوض هذه الحرب «جهاداً في سبيل الله» يصبح للرواية الرسمية السورية عن «حملة ارهابية» تهدد وجود الاقليات في سورية رنيناً خاصاً في آذان الطائفة العلوية في تركيا. فهم يعتقدون أن تركيا التي كانت في وقت من الأوقات أهم الشركاء التجاريين للاسد ومن حلفائه تلعب بالورقة الطائفية من خلال تقديم كل الدعم للطرف الذي سيحكم سورية بعد الإطاحة بالأسد بما في ذلك شخصيات من المعارضة وضباط هاربون من الجيش السوري يقيمون في تركيا. وقال صاحب متجر علوي في انطاكيا عاصمة اقليم هاتاي يدعى آيدين «هل تعتقد الحكومة التركية حقاً أن الجميع سيكنّ لها مشاعر الود عندما تنتهي هذه الأحداث. الحرب الحقيقية لن تبدأ إلا بعد ان يرحل الأسد». وأضاف: «الحكومة تلعب اللعبة الطائفية هنا. وتحاول أن تقسم طائفتنا. لم يكن أمراً ذا بال من قبل سواء كنت سنياً أم علوياً أم مسيحياً. كان مجرد السؤال مخزياً. لكن الأمور بدأت تتغير». وقادت تركيا الدعوات المطالبة بالتدخل الدولي في سورية ووفرت الملاذ للضباط المنشقين وهددت بالقيام بعمل عسكري أبعد مدى من مجرد الرد على النيران السورية بالمثل في الاسابيع الأخيرة في أعقاب سقوط قذائف مورتر في أراضيها. وظهرت بوادر الآن على أن تركيا تتحرك للحيلولة دون اهتزاز الاستقرار الطائفي. وذكر تقرير أن تركيا تحض السوريين غير المسجلين على مغادرة هاتاي وبذلت جهوداً لمنع الثوار من العبور إلى أراضيها. وتتسارع وتيرة التوترات الطائفية في اقليم هاتاي الذي كان في وقت من الاوقات جزءاً من سورية وذلك منذ اختلف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مع الاسد في العام الماضي. إلا أنه مع تصاعد حدة القتال على الحدود وتزايد تدفق اللاجئين أصبح المناخ العام أكثر تقلباً. ويعيش الآن أكثر من 100 ألف لاجئ سوري هربوا من القتال العنيف في شمال بلادهم في مخيمات للاجئين على امتداد الحدود. ويعيش عشرات الآلاف غيرهم من غير المسجلين في انطاكيا ومدن وقرى حدودية أخرى. كان اقليم هاتاي نقطة سهلة لعبور المهربين حتى قبل الانتفاضة بسبب طبيعته الجغرافية. وقد تحمل هذا الاقليم عبء نزوح السوريين إلى تركيا كما اعتبره مقاتلو المعارضة نقطة انطلاق للعبور من سورية واليها. ويعيش بعض من أعلى الضباط الهاربين من الجيش السوري رتباً في مخيم في هاتاي في ظل حراسة عسكرية تركية. وقال آيدين صاحب المتجر «الغرباء كثيرون هنا الآن ولا نعرف من هم. وهم يتجولون بلحاهم الطويلة. بل إن بعضهم ليسوا سوريين. نظرة واحدة إليهم تكفي لادراك أنهم قتلة». وأضاف متسائلاً: «هل هؤلاء هم الناس الذين تريد لهم أن يحكموا سورية؟». وتصب مشاعر الاستياء في الاتجاهين. ففي مستشفى في انطاكيا منع أحد النشطاء السوريين المعارضين للاسد الذي يتولى تنسيق علاج الجرحى من اللاجئين والمقاتلين في هاتاي ممرضة تركية من معالجة أحد الرجال الذين أحضرهم إلى المستشفى. وقال: «لا أريد ان تعالجه فهي علوية وكلهم جواسيس». ويعد ما يقرب من نصف سكان اقليم هاتاي البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة من العلويين. وأصبح اقليم هاتاي الذي عاش فيه الاتراك منذ قرون اقليماً تركياً بعد استفتاء كان موضع خلاف عام 1939 عندما كانت سورية خاضعة للانتداب الفرنسي وكان عمر الجمهورية التركية 16 سنة فقط. وكان العرب على الجانب الشمالي من الحدود علويين لكن هاتاي كان أيضاً موطناً لاقليات من المسحيين الشرقيين والكاثوليك والبرتستانت بل واليهود. وفي الشهر الماضي بلغ الاحتكاك الطائفي في هاتاي مستوى جديداً عندما خرج المئات وبخاصة من العلويين إلى الشوارع في انطاكيا للاحتجاج على سياسة تركيا تجاه سورية. وانتهت التظاهرة التي لم تكن الأولى هذا العام بإطلاق الشرطة الغاز المسيل للدموع على المحتجين لتفريقهم. وقالت أنقره مراراً إن موقفها إزاء سورية يهدف لحماية الشعب السوري ككل ونفت بشدة أنها تنتهج نهجاً طائفياً. لكن هناك بوادر على أن الحكومة بدأت تخشى من رد الفعل المحتمل. فقد تم رفع فقرات مثيرة من الرسوم الكرتونية تصور كرة متأرجحة وسلسلة كتب عليها الديموقراطية وهي تطيح بتمثال مهين للاسد وذلك بعد أن كانت هذه الفقرات تبث طوال اليوم على قناة تلفزيونية حكومية. وفي آب (أغسطس) أصدرت الخارجية التركية خطاباً للمحافظين في الاقاليم الحدودية يطالبهم بدعوة السوريين غير المسجلين على ترك العقارات التي استأجروها والتوجه إلى مخيمات اللاجئين خارج هاتاي وذلك وفق ما قاله مسؤول بسفارة أجنبية في انقره اطلع على تلك الوثيقة. وقال مسؤول بوزارة الخارجية إن الوزارة على اتصال مستمر بالسلطات المعنية لكنه لم يستطع تأكيد ارسال هذا الخطاب. وهناك مؤشرات أيضاً على أن تركيا تحاول أن تنأى بنفسها عن التورط المفضوح في الثورة المسلحة في سورية. وقال مقاتلو المعارضة إنه تم الغاء اجتماع كان من المقرر أن يستمر يومين لقادة الثوار السوريين في انطاكيا بعد اعتراضات من مسؤولين أتراك حضوا هؤلاء القادة على الاجتماع في بلد آخر. وفي الشهر الماضي أعلن الجيش السوري الحر أبرز جماعات المعارضة أنه نقل قيادته من تركيا إلى مناطق «محررة» في سورية في خطوة وصفها ديبلوماسي غربي بأنها قرار وراءه تركيا. ونفى مسؤولون في انقرة اي تغير في السياسة. لكن اللاجئين في منطقتين حدوديتين قالوا إن الجنود الأتراك بدأوا يمنعون المقاتلين من العبور إلى أراضي تركيا. وقال مصطفى اللاجئ في منطقة يايلاداجي في هاتاي والذي اعتاد العبور كثيراً في الاتجاهين «يقولون لهم لا تجلبوا مشاكلكم هنا. ابقوها هناك». ومن بواعث القلق أيضاً انخفاض ملحوظ في حركة التجارة منذ بدأ الصراع. ويقول بعض رجال الاعمال أن نشاطهم التجاري انخفض إلى خمس الحجم الطبيعي بينما أفلس آخرون مع اختفاء أبناء الطبقة الوسطى من السوريين الذين كانوا يفدون في رحلات في اليوم الواحد سعياً لشراء الملابس من الاسماء التجارية المعروفة. ولم تعد الشاحنات التركية تعبر بالسلع إلى سورية. ورغم أن بعض العلويين يسلمون بأن الأسد سيرحل فإن مخاوفهم تتركز على من سيحل محله وأثر هذا التغيير على الاقليم الذي يرتبط بروابط وثيقة بجارته الجنوبية. وسأل قصاب علوي في انطاكيا يدعى ابراهيم مجموعة من الرجال الجالسين حوله «من في هذه الغرفة لديه على الأقل قريب واحد في سورية» فرفع الجميع أياديهم وكانوا كلهم من العلويين وبينهم سني واحد ومسيحي واحد. وقال ابراهيم «أترى كلنا مرتبطون بسورية بطريقة ما. وما تفعله تركيا هناك يؤثر علينا جميعاً. إذا أوقفت تركيا تأييدها فستتوقف هذه الحرب».