... ولماذا لم يفعلها زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قبل إعلان إنجاز الصيغة «النهائية» التي كان يفترض ان تسهّل تشكيل حكومة الرئيس المكلف سعد الحريري؟ لماذا لم يُرد زعيم «الاشتراكي» الطلاق مع فريق 14 آذار قبل الانتخابات النيابية، بل هل أراده ليصدم جميع حلفائه بسبب ما تمخضت عنه هذه الانتخابات، في سياق حسابات تتعلق بحجم التمثيل النيابي لزعامته؟... وهل عنى جنبلاط بفعل «التوبة»، البراء من كل التعبئة التي كان هو بطلها حين تجاوز حتى مواقف حليفه الحريري، وصعّد الى ما وراء الخطوط الحمر في حملته على «فريق التبعية والنظام الأمني المشترك اللبناني – السوري والوصاية السورية والرعاية الفارسية»؟ وإن كانت الصدمة الجنبلاطية تستعيد مفارقات كثيرة ليس من شأنها إلا ان تزيد جرعات الإحباط المزمن لدى اللبنانيين، من «قدر» بلادهم و «إبداعات» ساستهم، فالحال أن غالبيتهم ممن لم تعد تباغتهم الهزات والزلازل وزوابع تدوير الزوايا، لا تمتلك سوى السخرية الصفراء لدى الحديث عن صحوة باتجاه يسار لبناني قد يخبئ من «المعجزات» ما لم يقوَ عليه الاتحاد السوفياتي... والسخرية الشديدة الاصفرار حين يحاول أي زعيم ان يثير لدينا نوازع الندم وطلب الغفران لأننا نسينا العروبة وفلسطين، لكأن لبنان أبو العروبة وأمها وأخواتها، وكل ما حلّ به منذ حرب تموز (يوليو) 2006 عقاب لتنكره لدوره، فيما كل العرب ينتظرونه. نسينا فلسطين وأهلها يتذابحون، فلنفعل مثلهم على الأقل لنثبت «إخلاصنا» ل «فلسطينيتنا»... «نسي» فريق 14 آذار العروبة وهي حسِمت لدى المسيحيين، منذ اتفاق الطائف. ما أراد ان يقوله الزعيم الدرزي الاشتراكي، ليس أكثر من اعترافه بتضليلنا منذ كان بين قادة «ثورة الأرز»، ما يقوله هو ان 8 آذار على حق، وما فعله 14 آذار مع هذا الفريق كان ضلالاً! أهي سياسة ان تقود مَن تقود الى «النار»، ثم تقول عذراً... بعد خراب البصرة؟ وقد ينطوي على بعض القسوة إيجاد العذر لرئيس الحزب الاشتراكي – لا في صحوته على اليسار بعد انتحار الشيوعية في معاقلها – في النهج المكيافيللي، هو الذي دفع كغيره من أنجال البيوت السياسية ثمناً باهظاً لئلا تموت الزعامات، وإن لضمان ديمومتها على رأس الطوائف. مَن يذكرون شعارات رفعها وليد جنبلاط بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يتذكرون كيف ذهب بعيداً الى ما يتجاوز أي لغة في السياسة، وهو يحمّل النظام في سورية مسؤولية كل معاناة لبنانية، بل يتخطى ايضاً سقف مطالبة عائلة الشهيد بالحقيقة وبعدها العدالة في محكمة دولية. في ذروة حملة الانتخابات النيابية الأخيرة، كانت نصيحة جنبلاط لسعد الحريري ان يكتفي بالحقيقة. ونصيحته اليوم علاقات مميزة مع دمشق، ونسيان ملف سلاح «حزب الله»، فيما لا يسأل أحد الآن مَن أشعل فتيل 7 أيار (مايو)، لأن الجواب معروف. ولا يسأل أحد من تصدى لتهشيم ما سمّاه «قدسية الحزب»، وحذّر اللبنانيين من أخذهم الى حروب «امبراطورية الفرس» ببنادق المقاومة، وأعلن شعار «الثأر» في ساحة الشهداء، ليصفع جميع الاستقلاليين اليوم باستعادته «ما يسمى ثورة الحرية والسيادة والاستقلال». بين استقلال لبنان واستقلالية جنبلاط وسواه من الساسة الباحثين عن أدوار صاخبة، لا يُضاف جديد في القول باستحالة الثوابت النهائية في أي سياسة في المنطقة والعالم، أو التحالفات التي لا تتبدل. لكن المستحيل من شيم ساسة لبنان، الذين إن خانهم الحظ احتموا بطوائفهم لتبرير انقلاباتهم على المبادئ، بذريعة حماية هذه الطوائف، وإلا – إذا كانت هذه اللغة معيبة بعلنيتها – فليكن ضنّاً بالسلم الأهلي! مع الصحوة الجنبلاطية، يجدر التساؤل عما إذا كان الخجل وحده هو العائق المرير الذي حال بين زعيم الحزب الاشتراكي ومصارحة حلفائه السابقين في 14 آذار، بعدما توارى الحديث عن حاجة هذا الفريق الى نقد ذاتي لمعالجة ثغرات طروحاته وممارساته، إثر عاصفة 7 أيار. وأما تطمين جنبلاط لسعد الحريري، بعد الصدمة، الى انه لن يتخلى عنه، فأشبه بوضع الملح على جرح غائر، لن يندمل سريعاً، مهما أصر الأول على ان فعلته «أسيء فهمها»، وبررها بالحاجة الى شعارات جديدة. مزيد من الإحباط، يحرم الأكثرية من مفاعيل انتصارها في الانتخابات النيابية، ليستولد «شعارات»، ويحق للمعارضة ان تحفظ لجنبلاط بامتنان نجاحه حيث فشلت في ما كانت تسعى إليه وأطراف إقليمية، بلا كلل: تفكيك 14 آذار. أما الكارثة فهي ان يكون كل ما دفعه اللبنانيون من أثمان على مدى أربع سنوات، مجرد معركة على شعار.