يؤمن منظرو جماعة «الإخوان المسلمين» بالآية الكريمة «إن هذه أمتكم أمة واحدة»، لكنهم لا يؤمنون بدخول أي فرد من هذه «الأمة الواحدة» إلى قيادة الجماعة إذا كان من غير حملة الهوية المصرية. المناصب العليا في الجماعة والمتمثلة في منصب المرشد العام وأعضاء مكتب الإرشاد ومجلس شورى الجماعة ظلت حصراً على المصريين منذ تأسيس الجماعة حتى اليوم، باستثناء منصب نائب المرشد في الخارج الذي كان يملأه الطبيب السوري حسن هويدي حتى العام 2009. لم يترق أي من الأعضاء العاملين العرب خارج مصر ليتسنم منصباً قيادياً في الجماعة برغم إيمانهم بالتبعية المطلقة للمرشد العام، وظلوا على طول الخط مؤمنين صالحين لا شورى تتحاور مع عقولهم ولا ديموقراطية تدغدغ أفهامهم! بل ان هذه القضية لم تناقش في العلن نهائياً، لا من طرف القوة المصرية المهيمنة على صناعة القرار والفكر «الإخواني»، ولا من طرف المؤمنين التابعين في البلاد العربية والإسلامية (تقول بعض الإحصائيات إن «الإخوان» يتوزعون على 70 بلداً)! لم تكن الدعوة «الإخوانية» في الأساس ذات هوية مصرية، وإن كان سبب وجودها الواقع المصري آنذاك، فمؤسس الحركة الشيخ حسن البنا كان يسعى منذ بدء نشاطه إلى التغيير في البلاد الإسلامية كافة، ويعتبر أن مهمته لا تقتصر على الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مصر فقط، وإنما في كل البلاد الإسلامية، ويتضح هذا من خلال أهداف الجماعة عند تأسيسها التي تتجاوز مصر، لتشمل «تحرير الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي وذلك حق طبيعي لا ينكره إلا ظالم جائر ومستبد قاهر»، وكذلك مطالب الشيخ البنا ال50 المضمنة في رسالته «نحو النور»، التي بعث بها الى زعماء وقادة الدول الإسلامية. هذه الرؤية الشمولية للشيخ البنا تتطلب وجود قاعدة «إخوانية» في عموم البلاد الإسلامية تصطف تحت قيادات محلية تمثل الأعضاء العاملين الصغار في قيادة الجماعة، إلا أن ذلك لم يحدث، وبالتالي لم تتوج تلك الرؤية «التوسعية» المبكرة بإدخال «الإخوان» العرب في منظومة القيادة العليا للجماعة. وإذا كان للشيخ البنا أسبابه في عدم دعوة أي من العرب للانضمام إلى قيادة الجماعة لطبيعة الظروف السياسية والاجتماعية آنذاك، وصعوبة التواصل مع المريدين والتابعين المخلصين خارج القطر المصري بسبب القصور في وسائل التواصل، إلا أن من خلفه في قيادة الجماعة ظل أيضاً حريصاً على عدم إدخال العنصر غير المصري في منظومة القيادة «الإخوانية»، برغم تنامي الجسم «الإخواني» وظهوره على السطح في العديد من البلاد العربية. آمن زعماء «الإخوان»، بعد الشيخ البنا، بكونية حركتهم وتجاوزها مفهوم القطرية الضيق، وانحيازها للإصلاح السلمي بعيداً عن «طلب الحكم المصري». وفي هذا يقول عمر التلمساني وهو أحد مرشديهم الكبار: «لا تبتغي دعوة الإخوان المسلمين إلا أن ترى سيرة وسنة رسول صلى الله عليه وسلم مطبقةً في هذا البلد، لأن هذه المنطقة من العراق إلى المغرب منطقة إسلامية». ويقول أيضاً: «نحن لا ندعو لقلب الحكم. نحن ندعو لإصلاح الحكم ولو عرضت الوزارات لرفضناها، لأننا لا نطلب حكماً، ولكننا نطلب حكماً عادلاً أيّاً كان القائم بشؤون هذا الحكم». هذه الشمولية التي تشبه شمولية البنا، وتكريس المرجعية الفكرية ذات الأذرع النظرية التي ترفع الجماعة (قصداً) من الانغماس في الحالة المصرية، لم تسمحان أيضاً باستيراد علماء ومفكرين عرباً ليشاركوا في رسم السياسات النظرية للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الدول الإسلامية، بعيداً عن «طلب الحكم»! وحتى بعد ثورة 25 يناير عندما ولدت الحالة «الإخوانية» وليدها المصري الجديد (حزب الحرية والعدالة)، من أجل فصل نشاطها المصري عن رؤيتها الإسلامية الشمولية، بقيت الحال على ما هي عليه. وبرغم الإشراف غير المرئي لمكتب الإرشادية في الجماعة على بقية الاحزاب العربية المشتقة أسماؤها من كلمات (حر، نما، عدل)، ظل العنصر المصري هو المسيطر على الفكر «الإخواني» الذي يسعى إلى «إصلاح البلاد الإسلامية بلا استثناء». السؤال بعد هذه المقدمة الطويلة: هل يوجد في ميثاق الجماعة أو قوانينها الداخلية ما ينص صراحة على وجوب «مصرية» المرشد العام؟ هل يحق ل»الإخوان» العرب دخول مجلس شورى الجماعة ومكتب الإرشاد والتصويت على اختيار المرشد العام؟ ولماذا لا يتجرأ التابعون العرب في دول الخليج والشام والمغرب العربي على طرح مسألة تداول السلطة العليا في الجماعة؟ تبعية «الإخوان» الكويتيين المطلقة مثلاً للمرشد العام المصري لا يمكن أن أفهمها في ظل مطالبتهم بتداول السلطة محلياً! كيف أدعو «لشعبنة» منصب رئيس مجلس الوزراء فيما أتبع بشكل «عمياني» قائداً لم تكن لي يد في انتخابه، ولا أستطيع أن أرشح نفسي مكانه؟ هذه الازدواجية في المعايير قد يمكن هضمها لو كان المرشد العام المصري شخصية اعتبارية، أو مجرد مفهوم ديني أو ثقافي أو رمز تاريخي سقطت عنه الطبيعة البشرية بالتقادم والتقديس، أما أن يكون رجلاً «منتخباً» ومحكوماً بأطر نظرية تنظيمية، فهذا عسر هضم خطير قد يأتي بمخرجات كارثية! الخلاصة أن جماعة «الإخوان المسلمين» بدأت تاريخياً لتصلح العالم الإسلامي برمته، لكنها ظلت مشغولة بالقطر المصري، الأمر الذي جعلها تتفنن في خلق الحلول النظرية لمشكلات المصريين العملية. هذا مقبول إلى حد ما. لكن ما ليس مقبولاً أن يأتي «إخواني» إماراتي مثلاً فيستدعي الأزمات والمشكلات المصرية إلى بلده، ثم يدعو إلى حلها على الطريقة «الإخوانية» وكأنه لم يسمع بالمثل الإنكليزي الذي يقول: «إذا لم تكن الجرَّة مكسورة فلا داعي لإصلاحها»! طبعاً هذه المقالة تفترض عدم وجود أعضاء خليجيين بشكل سري في مكتب الإرشاد التابع للجماعة! كاتب وصحافي سعودي [email protected]