في حلقته الرابعة، يواصل مركز «المسبار» للدراسات والبحوث، الوقوف على فكر جماعة «الإخوان المسلمين»، متفحصا مفاصل خطابها، ومواقفها تجاه عديد من القضايا الراهنة والتاريخية، خصوصا أن الجماعة التي كان كثير من قياداتها ملاحقين في الأمس، تمسك بزمام مصر بعيد ثورة 25 يناير!. تمام: الإخوان لا يرفضون الجهاد المسلح لكنهم لا ينخرطون بأنفسهم فيه مفضلين أن يقوم به آخرون عبد الحافظ: لاقت مسألة تدريب الأخوات في المعسكرات التربوية تحذيرات من داخل الجماعة «ترييف» الإخوان سيادة ثقافة ريفية، تخالف ما نشأت عليه الجماعة تاريخيا، هو الموضوع الذي يقاربه الباحث حسام تمام، وهي في رأيه ثقافة «تتوسل بالقيم الأبوية، حيث الطاعة المطلقة، وانتشار ثقافة الثواب والعقاب والتخويف حتى في العلاقات التنظيمية، وسيطرة الخوف من المختلف أو المتميز مع الميل للركون إلى التماثل والتشابه بين أعضاء الجماعة التي صارت تميل يوما فيوما إلى التنميط». حيث يمكن القول أن «زيادة نفوذ المحافظات ذات الطابع الريفي داخل الجماعة، له علاقة باتجاه الحركة نحو مزيد من المحافظة، وهذا يعكس ميلا واضحا نحو مقاومة ضغوط محاولات الإصلاح التي كانت تأتي أيضا من داخل الجماعة نفسها، وهي الرؤية التي يتبناها تيار التنظيم داخل الإخوان، بحيث يرى أن الجماعة تتعرض لاختراق وأنه لابد من إصلاحها». الحركة الإسلامية المصرية في هذا الإطار وكغيرها من الحركات الاجتماعية، لا تنفصل عن المنشأ المديني الحضري، كما أثبتته الدراسات الميدانية الحديثة للقواعد الاجتماعية لهذه الحركات، بحسب تمام، مشددا على أن هذا قد تأكد بوضوح في سياق حركة التحديث الواسعة التي عرفتها مصر، بدءا من نهاية الستينيات وطوال فترة السبعينيات. ويضيف تمام أن «الجماعة اتبعت إستراتيجية تمدد اعتمدت على ضم المتعلمين والمهنيين في عضويتها، بل صارت تضم داخلها أكبر عدد من أعضاء هيئة التدريس في مصر». فقد شهد القطاع التعليمي ازديادا واضحا في قوة الإخوان في السبعينيات بشكل خاص، بحيث انتشرت الجماعة في أوساط الطلبة الجامعيين، ولاسيما بعد ضم الجماعة الإسلامية التي سرعان ما سيطرت مع النصف الثاني من الثمانينيات، على معظم الاتحادات الطلابية في جامعات القاهرة والإسكندرية والزقازيق، ثم في المنصورة والأزهر مع نهاية تلك الفترة، خاصة بعد أن نشطت الجماعات الإسلامية في الجامعات بشكل واضح، في مجال تقديم الخدمات التعليمية للطلبة. وفي أواخر الثمانينيات اتبع الإخوان المسلمون إستراتيجية انتخابية جديدة، اعتمدت على التنافس على المناصب القيادية في النقابات المهنية والتعليمية، التي كانت تعد معاقل نموذجية للفئة المتعلمة المتوسطة، ذات الخصوصية الحضرية الواضحة. وفي ذات السياق البحثي التاريخي، يقول تمام إن الفكرة الإخوانية كانت «مبهرة لمجتمع المدينة المصري، فصارت الجماعة محل جذب في المدن، خاصة بعد عودة الجماعة للواجهة مرة أخرى في السبعينيات، مع عهد الرئيس السادات، وحتى أواخر الثمانينيات تقريبا»، حيث «نجح الإخوان المسلمون في المدن المصرية بشكل خاص، وربما كان العامل الأكثر أهمية من بين العوامل المساعدة قدرة الجماعة على تجنيد العناصر الجديدة، وفي التسجيل في العضوية، وتقنياتها التنظيمية المنظمة، و لكن أيضا وهذا هو الأهم نتيجة الخدمات الاجتماعية الشاملة التي كانت توفرها للمهاجرين الجدد المتدفقين نحو المدن المصرية». هذه القوة المتراكمة للجماعة، والتأثير المتزايد، استمر بحسب تمام، حيث «أصبح للجماعة قدرة على التعبئة والاستيعاب خلال سنوات الثمانينيات، وهي مرحلة ازدهار الفكرة الإخوانية، فقد كان التجنيد يتم أغلبه بين أبناء الموظفين والمدرسين أو «الأفندية» بالتعبير السائد، حتى في الريف كان تجنيد الإخوان يتم بين من تحصلوا على نسبة تمدين وتنور وسلوكيات معينة، بحيث ينتمي أغلب الوافدين إلى المدن المصرية إلى القطاع التعليمي، لا سيما أساتذة التعليم الثانوي. ويبدو هذا غريبا بالنظر إلى أن المفترض أن ينتج التعليم وحركة التمدين أشخاصا ذوي رؤية علمانية». كل ما تقدم يدفع الباحث حسام تمام إلى الوصول لنتيجة مفادها، أن هناك «علاقة واضحة بين المكانة الاجتماعية التي يعكسها اختيار العمل في التعليم، وبين البنية الاجتماعية الريفية، مما يعني ميلا طبيعيا إلى الحراك الأفقي والعمودي في آن واحد». هذا الحراك التنظيمي على مستوى الجماعة، ساعدته الظروف المجتمعية والبيئية، ولذا يعتقد تمام بشكل كبير، أن «الريف لعب دورا بارزا في مد الحركة الإخوانية بمخزون اجتماعي، احتوى أيضا على دلالات تنظيمية وإيديولوجية واضحة، إذ ينحدر أغلب هؤلاء من طبقات ريفية محافظة، لكن أيضا ممن تلقوا تعليما يحتل فيه المكون الديني نصيبا مهما». هذا التمدد لجماعة الإخوان داخل الريف المصري أخذ أوجَه بنظر تمام، ولا سيما بعد اشتداد قبضة النظام عليها منذ منتصف التسعينيات، وهو يفسر الموضوع بأنه ذو علاقة ب»ابتعاد الريف عمليا عن رقابة صارمة من قبل سلطة الدولة»، مردفا «لكننا سنلاحظ من الناحية النظرية أن هذا التمدد كان متزامنا مع صعود التيار الإصلاحي داخل الجماعة، مما يغلب العوامل الداخلية على تلك المتعلقة بمستوى العلاقة مع النظام». معتبرا أنه في هذه الحالة يمكن القول فعلا أن «زيادة نفوذ المحافظات ذات الطابع الريفي داخل الجماعة المدينية العتيدة، له علاقة باتجاه الحركة نحو مزيد من المحافظة». علاقة الإخوان بالعنف المسلح بعد مقاربته لما سماه «ترييف» الجماعة، يثير حسام تمام، تساؤلات حول علاقة الإخوان المسلمين ب»العنف المسلح»، و»الجهاد الذي خضع مفهومه للتغيير منذ التقطته حركات الإسلام السياسي في القرن العشرين». واجدا أن الفارق بين الإخوان والآخرين من الإسلاميين هو «فارق الخبرة الذي يعطي الإخوان دائما قدرة أفضل على قراءة المشهد بواقعية، خوفا من فاتورة الحساب»، مؤكدًا على أن موقف الإخوان من العنف المسلح، وفكرة الجهاد، «ظل يتأرجح من الناحية العملية بين أطروحتي الدولة، والأطروحة الأممية كما توارثها الإخوان من المرحلة البناوية والمرحلة القطبية». ففي مصر، لم «يمانع الإخوان طوال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من التموقع فكريا في نفس مربع الدولة، ضد جماعات العمل المسلح، طالما عزّز ذلك من فرص حضورهم السياسي»، مضيفا «ظل الإخوان يقدمون أنفسهم باعتبارهم البديل المعتدل الذي ليس أمام النظام سوى القبول به، إذا ما أراد مواجهة حركات العنف الإسلامية». إلا أن تمام يعتقد أن «الجماعة لا ترفض فكرة الجهاد المسلح ، لكنهم لا ينخرطون بأنفسهم في هذا «الجهاد»، ويفضلون أن يقوم به آخرون، متجنبين التورط المباشر أيديولوجيا وتنظيميا». معتبرا أنه وإلى وقت قريب كانت علاقة الإخوان المسلمين بالعمل المسلح «في طريقها للطي باعتباره من الماضي، لولا التطورات التي شهدتها الجماعة في مصر، والجدل الذي دار حول النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الداخلية الأخيرة للجماعة، والتي عززت هيمنة التيار التنظيمي المحافظ على التنظيم، وهو التيار الذي ينتمي أبرز رموزه، ومنهم المرشد الجديد محمد بديع، لما يعرف بتنظيم 1965، الذي حاول التغيير المسلح لنظام الحكم الناصري، وكان يقوده سيد قطب صاحب أفكار الحاكمية والجاهلية والعزلة الشعورية، والموسوم باعتباره الأب الروحي لكل تنظيمات الرفض والعنف الإسلامية، في الأربعة العقود الأخيرة». ولكن، هل تورط «الإخوان المسلمون» في أحداث عنف مسلح مباشرة؟ يجيب تمام، قائلا إنه «لا يمكن الجزم بتورط جماعة الإخوان في تنظيمات أو فاعليات العنف التي جرت، كما يصعب التسليم بدقة ما نسب لمصطفي مشهور عن وجود تنظيم للإخوان في الجيش وقتها، لكن طبيعة التداخل الكبير بين أطياف الصحوة الإسلامية المتصاعدة وقتها وعلاقة الأواني المستطرقة التي كانت تحكمهم جميعا، تسمح بالحديث ليس فقط عن تقاطعات بين شخصيات إخوانية أو محسوبة على الإخوان، وبين شخصيات جهادية تتبني منهج التغيير المسلح، بل وعن أن فكرة التغيير المسلح لم تكن مستبعدة وقتها عند الإخوان وأن الشيء الذي كان يحول دونها غياب الشروط اللازمة واللحظة المناسبة». تمام يستنتج أن «عودة واضحة لمسألة الجهاد في الإيديولوجية الإخوانية، هو رهن بمستويات إدراك الجماعة لتوقيته ومدى كلفته السياسية والاجتماعية. فالإخوان الذين يراهنون على اتساع القواعد الاجتماعية للحركة، يعرفون أنها جزء مهم من قوة حركتهم»، حيث «جرى تأطير الفكرة الجهادية اجتماعيا وثقافيا، بشكل سمح لجماعة الأخوان بتجنب التورط المباشر، أيديولوجيا وتنظيميا، في معركة الجهاد حتى في أشد مراحل الانسداد السياسي». خلاصة ما يراه الباحث حسام تمام، أن معركة الجهاد لدى الإخوان، «تبدو رهنا بدرجة الحضور أو الابتعاد عن السياسة، بما يضمن بقاء الجماعة واستمراريتها، التي هي أصل الوجود الإخواني لسببين اثنين: أولا بفضل ميراث مرشدها الأول خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، وهذا يفسر لم سارع الإخوان في الستينيات وعلى نهج البنا في النأي بالجماعة عن أفكار التكفير والجاهلية أواخر الستينيات، ولحظة اغتيال السادات وفي أوائل التسعينيات. وثانيا بسبب تراث الدولة القوية شديدة المركزية في مصر، إذ لا يزال لدى الإخوان معرفة بصعوبة تحقيق اندماج كامل في دواليب السلطة، التي لا تزال عصية حتى في وجود تنظيم إخواني قوي، يضاهي انتشارها في المجتمع المصري». المرأة في خضم الثورة وفي موضوع آخر ذي صلة، تناولت الباحثة فاطمة عبدالحافظ، دور «الأخوات المسلمات» في ثورة 25 يناير، ممهدة بالبحث عن النشأة لقصة الأخوات المسلمات، ومراحل التطور، مرورا بالحقبة الأولى منذ التأسيس إلى الخمسينيات، والحقبة الثانية إلى الستينيات، والثالثة من السبعينيات إلى الآن. حيث شهد العام 2000 ترشيح أول امرأة ضمن قوائم الإخوان. وبما يخص الحقبة الثالثة، رأت عبدالحافظ أن عام 2000 شكّل «منعطفا هاما في هذه الحقبة، حتى أنه يمكن عده حداً فاصلا بين مرحلتين من مراحل العمل النسائي، فقد رشحت الحركة أول امرأة ضمن مرشحيها لانتخابات مجلس الشعب، وذلك بعد نقاشات مطولة انتهت بتسمية السيدة جيهان الحلفاوي». ووفقا لما ذكره إبراهيم الزعفراني زوج الحلفاوي، وعضو مجلس شورى الجماعة السابق، فإن الجماعة كانت «مترددة في اتخاذ تلك الخطوة لسببين، الأول: أن ترشيح النساء يلفت أنظار الجهاز الأمني إلى نشاط الأخوات في الجماعة، والثاني: أنه قد يجر عليها انتقادات الجماعات السلفية، وربما تعرضت مصداقية الجماعة الدينية إلى الاهتزاز من وراء ذلك، لم يكن ترشيح الجماعة لامرأة هو التغير الحاسم في تلك المرحلة، فقد عده بعضهم خطوة قصد بها التغطية على إحدى نقاط ضعفها». عبدالحافظ تعتقد أن الأخوات المسلمات «سجلن حضورا لافتاً» في الثورة المصرية منذ ما سمي بيوم «جمعة الغضب» في 28 من يناير، أما ما قبل هذا التاريخ فقد كانت مشاركتهن «ضعيفة وبمبادرة فردية من نفر من الأخوات، لأن الجماعة لم تكن اتخذت بعد قرارها بالمشاركة في التظاهرات والنزول إلى الشارع». ومنذ ذلك التاريخ وحتى تنحي مبارك، في 11 من فبراير، شاركت الأخوات بقوة في التظاهرات التي شهدتها المدن المصرية، وفي الاعتصام المفتوح الذي شهده ميدان التحرير، ف»كثيرات خبرن تجربة المبيت في الميدان وبعضهن مكثن طيلة أيام الاعتصام ولم يغادرن إلا مع إعلان التنحي». وعن مشاركتهن في حزب «الحرية والعدالة» التابع لجماعة الإخوان، قالت الباحثة إن «عدد الأعضاء المؤسسين للحزب ما يقرب من تسعة آلاف عضو، وقد شكلت الأخوات 12% منهم، وعلى الرغم من هذه النسبة المرتفعة وانخراط الأخوات، في هياكل الحزب ولجانه، فإنه لوحظ عدم تمثيلهن في المناصب القيادية، التي سيطر عليها المحافظون داخل الجماعة». وفيما يتعلق ب»فورة الحضور التي اكتستها الأخوات في الجماعة بعد الثورة» قالت الباحثة إنه «لم تكد تمضي خمسة أشهر على نجاح الثورة، حتى أقدمت الجماعة في يوليو (تموز) الماضي، على عقد مؤتمر الأخوات المسلمات علانية للمرة الأولى بحضور المرشد العام، وأعضاء مكتب الإرشاد، ولفيف ضخم من الأخوات بلغ قرابة ألفي أخت، والواقع أنها ليست المرة الأولى التي يعقد فيها مؤتمر للأخوات في الجماعة فالدكتور محمد بديع قد سبق له أن التقى الأخوات في مؤتمر عقد في مقر نقابة المعلمين بمدينة نصر في مطلع العام2009». تدريب الأخوات في المعسكرات، التي يسميها الإخوان ب»التربوية»، مسألة تطرقت لها الباحثة، مبينة أن الجماعة «شرعت في تحديث العمل النسائي، بإدخال بعض الوسائل التربوية، التي كانت متبعة في تنظيم الرجال، ومنها إلحاق النساء في معسكرات تستمر لبضعة أيام، وتقام في مناطق بعيدة، وتتوخى الجماعة من وراء تطبيق هذه المعسكرات تطوير آليات العمل، بإضافة وسائل جديدة، ونفي الادعاءات بأنها تقيم تمييزا حادا بين الإخوة والأخوات في المناهج والطرائق والأدوات، والبرهنة على أن الأمور بعد الثورة تسير في طريقها نحو التغيير»، مبينة أن الفكرة «قوبلت بردود فعل واسعة ومتباينة، من بعض صفوف الجماعة»، فقد كتب أحدهم محذرا «أن المعسكرات كانت ومازالت وسيلة للتربية المتكاملة للإخوان المسلمين، ولم تعهدها الجماعة للأخوات». ميدان التحرير