يقدم عالم الإعلانات التلفزيونية – أحياناً – صورة مكبرة عن فعل الإقصاء الذي يمكن أن يمارسه المنتج التجاري في حياة الناس، وهو يغدو انعكاساً لما يمكن أن يحدث في الواقع. فكما في الحياة، كذلك في الإعلان، تبدأ الدائرة بالانكماش التدريجي لتكشف عن ولع يتجلى بإلغاء الآخر وتهميشه، وحتى استبعاده من عالم المنافسة «الشريفة» بتصنيفه مجهولاً، وكأنه بذلك ينهي مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى صاحبه. نقول ذلك، ونحن شهود على وجود مواد غذائية وتجميلية بماركات تجارية مسجلة يجري الترويج لها عبر الفضائيات من طريق استخدام أطفال أو فتيات (في الغالب نجمات مغمورات في بلادهن). وكما تدخلت الرسوم المتحركة في طرق صنع الإعلان، تدخلت الرسوم بالأبعاد الثلاثية، فصار بإمكاننا مشاهدة «مرطبانات» زجاجية مجهولة الحسب والنسب، مكتوب عليها شاي، بوسعها الانتحار من الأماكن الشاهقة، لأن نوع شاي جديد نزل بعبوة جديدة إلى السوق. الشاي المنافس الآخر لا اسم له، بالتالي لا نكهة ولا رائحة. إنه شاي مجهول، وليس ثمة عبوة جديدة له يمكنها أن تدفع عنه الرطوبة والأذى. في المقابل نوع الشاي الذي يفرض نفسه في هذه المواجهة غير المتكافئة معروف للجميع، أو هكذا يفترض الإعلان نفسه. علامته التجارية تنبئ عنه تلقائياً وما من داع للتعريف بها، وهي صامدة في السوق، وما على المستهلك الشجاع إلا الانصياع لرغبة المعلن، والقيام بخطوة جريئة يحسم فيها انحيازه إلى العبوة المشهورة، وقد نزلت إلى الأسوق بحلة جديدة. الأمر ذاته ينطبق على نوع من الصابون المنزلي، فالنوعية المعلن عنها يمكنها أن تقهر الجراثيم التي لا ترى بالعين المجردة. وحدها الصابونة المشهورة ترى، ولا يكفي الولد الصغير، أن يغسل يديه بصابونة مجهولة لا يمكن أن تقيه شر الأمراض، فهذه الصابونة لا حول لها ولا قوة. هي صابونة لا تنتمي إلى أحد، وعلى الصبي أن يصدق كلام رفيقه، لأن أمه قالت له إن الصابونة المعروفة هي فقط من يمكنها أن تبعد عنه شر الأمراض. في عالم الإعلان، كذلك في عالم السياسة، كما في عالم الغناء، يمكن لكثير من نجوم هذه العوالم أن تطفو على السطح، وتصبح مشهورة لأن ظرفاً ما فرض نفسه حينها. وإن عقدت مقارنة من أي نوع يصبح ذلك الذي طفا على السطح خلسة هو المثال الدال على الجودة. أما الآخر الذي استُبعد تحت مسميات مختلفة، فيصبح رهناً لإجراء هذه المقارنة الظالمة على الدوام، إذ قد يحتفظ لنفسه بموهبة، لكن اقامته في عنوان مجهول صنعت منه منافساً غير شرعي. في الإعلان التلفزيوني يمكنك أن تستبعد المنافس بسهولة، فإذا لم يكن بوسعك التخلص منه، تجاهله، فتستريح، لأن كل الماركات الأخرى تصبح في ثواني بث الإعلان... مجهولة.