تزامنت مؤتمرات إسلامية محلية وخليجية وعربية عدة خلال أسبوع واحد تناولت مفهوم السلطة والسياسة وأنظمة الحكم، كل بحسب منظومته الفكرية. تتباين هذه المؤتمرات من أقصى اليمين الإسلامي إلى أقصى اليسار، ففي الأسبوع الماضي عقدت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مؤتمراً حول «الجماعة والإمامة.. المملكة العربية السعودية إنموذجاً» كرمز للسلفية، وفي الدوحة نظّم المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات مؤتمر «الإسلاميّون ونظام الحكم الديمقراطيّ.. تجارب واتّجاهات»، بمشاركة زعماء للحركات السياسيّة الإسلاميّة ذي النفس الإخواني، وفي عمّان انعقد مؤتمر شبابي معرفي (يعد مستقلاً أو ممثلاً لما بعد الإخوان)، كانت مفاهيم السلطة إحدى مواضيعه، كلها تنضوي تحت المظلة «الإسلامية». وكما يقول الباحث والصحافي نواف القديمي، إنه «لا يُمكن الحديث عن كتلة واحدة اسمها (إسلاميون)، فثمة مساحة واسعة من التباينات الفكرية والسياسية في الفضاء الإسلامي، وهناك تيارات وجماعات وأحزاب تقع على (مسطرة المحافظة) في موقع الوسط واليسار (الإخوان وما بعد الإخوان)، ولهم موقف يتمايز عن موقف الإسلاميين المحافظين (التيارات السلفيّة بأطيافها)». جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية تناولت في مؤتمرها مفهوم الجماعة والإمامة في الكتاب والسنة، وحكم لزوم الجماعة، والآثار المترتبة عليها، وحكم الآثار المترتبة على الإخلال بالجماعة والإمامة، وواقع الجزيرة العربية قبل توحيدها على يد الملك عبدالعزيز وآثار الجماعة والإمامة على المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها وحتى اليوم. ومما خلص له مؤتمر الجماعة والإمامة، تأييد الدولة في ما تتخذه من خطوات أسموها ب«المباركة -شرعية -فكرية -علمية -أمنية -قضائية»، لتحصين الوطن من دعاة الفرقة وشق عصا الطاعة والاعتصامات والمظاهرات وغيرها، مما يخل بصورة الجماعة والإمامة، ويؤكدون على أهمية التعاون والتكامل والتعاضد تحقيقاً للمقاصد ودرءاً للمفاسد. وأهمية العناية بالتأصيل الشرعي لمسائل الجماعة والإمامة وتحرير مسائلهما انطلاقاً من نصوص الشريعة ومنهج سلف الأمة في فهمها، وتضمينها في مناهج التعليم في المراحل الأولى بما يتناسب مع مراحلهم العمرية، واعتماد مفرداتها ومضامينها في مقررات الثقافة الإسلامية في المراحل العليا لما لها من أهمية بالغة في غرس هذه الأسس في نفوسهم وتحصينهم من المؤثرات التي تخل بهذه الأصول. كما أوصى المشاركون باستقراء الشبهات المتعلقة بالجماعة والإمامة ورصدها ثم الرد عليها بالحجة والدليل والبرهان الشرعي والعقلي المقنع المستند إلى الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة، واستكتاب المتخصصين المميزين عبر مشروع بحثي يقدم من خلال الكراسي البحثية المتخصصة في دراسات العقيدة، ثم توفيرها بعد أن يتم تحكيمها ومراجعتها قبل نشرها وفق الإجراءات المعمول بها في هذا المجال، وصناعة وبناء ألعاب إلكترونية مطورة يتم الإفادة مما هو مطروح وتطويره بما يحقق غرس هذه القيم ويحمي من الانحراف، ويتطلب ذلك تكوين فرق متخصصة يكون من ضمنها متخصصون في العقيدة، واستغلال أماكن التجمعات الشبابية في الأندية الأدبية والرياضية لعرض مضامين مركزة يتم إخراجها بشكل يجذب للاطلاع عليها، وتكون واجهات لهذه الملاعب لما في ذلك من التذكير وتكرار هذه الأصول وتعميق تأثيرها في المدى البعيد. وفي مؤتمر «الإسلاميّون ونظام الحكم الديمقراطيّ.. تجارب واتّجاهات» المتباين لمؤتمر جامعة الإمام، أخضع باحثون وأساتذة جامعيون الجوانب المختلفة لمشاركة الإسلاميين في الحياة السياسية في الدول العربية للفحص، وقدّموا قراءاتهم التحليليّة عن المسار التاريخي الذي مرّت به الحركات الإسلاميّة في السودان والأردن ومصر وتونس والمغرب والعراق وفلسطين واليمن والجزائر ولبنان وليبيا وموريتانيا، كما عدّدوا التحدّيات التي تواجهها حركات الإسلام السياسي في ظلّ ثورات الربيع العربيّ وما ينتظر منها في ما بعدها. وتطرّقت أوراق المؤتمر إلى مكونات تيّار الإسلام السياسي كافة، إذ شملت حركة «الإخوان المسلمون» واسعة الانتشار والتنوّع، وكذا التوجه السلفي ذو الانتشار الكبير في عدد من الدول العربية مثل مصر والمغرب، وأيضاً المكون الإسلامي الشيعي. وإلى جانب مداخلات وأوراق الباحثين التي تناولت مواضيع المؤتمر من زاوية التحليل الأكاديمي، قدّم السياسيون المشاركون في المؤتمر من زعماء للحركات الإسلامية وممثّلين عنها إضافة نوعية من خلال مداخلاتهم التي عرضوا فيها تجاربهم، وهو ما أثرى النقاش وفتح جسوراً للتواصل والحوار بين المجتمع الأكاديمي ومجتمع الممارسين السياسيين من تيّار الإسلام السياسي. من الأوراق التي قدمت، حديث زعيم حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي، إذ رأى أن التيّار الإسلامي مقتنع ببناء «دولة مدنيّة»، مستدركاً أنّ التيار الإسلامي ليس كلاً واحداً، بل هو مجموعة من المدارس والأفكار. وأضاف أنه لا تزال هناك أصوات إسلامية تكفّر الديموقراطية وأخرى تعدّها بدعة، لكن المؤكد هو أنّ الطيف الأوسع من الإسلاميّين مقتنع بالديموقراطية، وأن التيار الإسلامي تتزايد قناعته ببناء دولة مدنية تستمدّ شرعيّتها من الشعب الذي تستحقّ كلّ مكوّناته حقوقاً متساوية كما عليها واجبات متساوية. وأوضح الغنوشي أن حركة النهضة في تونس اقتنعت بضرورة الحفاظ على حرّية واختيار قسم من المواطنين الذين لا يطمئنّون لجعل الشريعة مصدراً للتشريع، ووافقت على عدم نصّ الدستور الجاري صوغه على أن تكون الشريعة مصدر التشريع، فالديموقراطية ليست فقط ضمان حقّ الغالبية، بل هي أيضاً احترام لرأي الأقلّية. وأضاف رئيس حركة النهضة أنه ليس في الإسلام ما يمنع الاقتباس من حكمة الشعوب الأخرى، ومن حكمة الشعوب الأخرى الحديث عن الدولة الديموقراطيّة والمدنيّة والمساواة والتعدديّة الحزبية. وأقرّ أنّ فكرة التعددية السياسية لا تزال في التنظير الإسلامي في حاجة إلى المزيد من الاهتمام والتوسيع عند المفكرين الإسلاميين، والأمر نفسه ينطبق على فكرة المساواة في المواطنة، التي تقتنع بها غالبية التيار الإسلامي. ويرى الغنوشي أن الوثيقة التي أصدرها الأزهر وسمّاها وثيقة مؤسسة للديموقراطية والمساواة والتعدديّة، هي وثيقة شبيهة بوثيقة الصحيفة التي وضعها الإسلام في فجر الإسلام.