لا تستغرب لو أتى يوم لا تُعتبر فيه النزاهة إلا جهة حكومية! فإذا سئل طالب ما هي النزاهة؟ سيجيب: هي هيئة حكومية مختصة بهذا وذاك. تنزوي الخصلة الجميلة، لب الأمانة وجوهرها بعيداً عن الأضواء، في سوق الأخلاق أيضاً تطرد الخصلة الرديئة الخصال الحميدة بعيداً، وكأنها حصان أجرب، الأخيرة أضعف لدينا لطول غربة، فليس لها جماعة ولا جاه ولا «مفطح» يتحلق حوله المريدون، إنها تشبه في وجه من الوجوه حالة الفقير المتعفف بصوته المنخفض وابتعاده عن السؤال، مقابل مستكثر بلسان طويل. أجرت صحيفة «عاجل» الإلكترونية حواراً مع المهندس محمد السلطان العرفج، قال الرجل إنه قبل تقاعده عمل مسؤولاً عن تصنيف المقاولين بوزارة الشؤون البلدية والقروية، وبعد سؤال تحدث عن رشوة عرضت عليه بثلاثة ملايين ريال لتمرير تصنيف شركة مقاولات ستتبعها شركات أخرى إذا ما تمت «الصفقة». يذكر العرفج أنه عرض القضية على أحد المسؤولين في الوزارة «لم يذكر أسماء»، إلا أنه واجه بروداً وروتيناً في التعاطي معها، لكنه لم ييأس، فقابل الوزير الأمير منصور بن متعب الذي اتصل بالجهات الأمنية، وتم ترتيب كمين وإنجاز ما يجب أن يتم لمواجهة هذه الجرائم. وأترك مسألة «البرود تجاه قضايا الرشوة وغيرها» في هذه العجالة إلى مقال آخر، أقفز إلى أمر يتعلق بحماية النزاهة وتقديرها، إذ حصل رافض الرشوة على مكافأة من مساعد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، لكنه يذكر أن الشؤون القانونية «بوزارة البلديات كما أتوقع» قامت باقتطاع نصفها وتسليمه النصف الآخر!؟ ولا أعرف ما السبب «النظامي»، هل لأنه يعمل لديهم مثلاً!»، والواقع أن المهندس محمد العرفج لم يذكر في مقابلته تظلماً من هذا، ومن الطبيعي ألا يشكو النزيه ولا يقدم «معاريض»، لأن الدافع لديه أكبر وأعمق، لكني استغربت من موقف الشؤون القانونية! وأحببت الاستزادة في علم الأنظمة والقوانين والمكافآت. ويلاحظ القارئ الكريم أنني أشرت إلى المهندس بالنزيه، ولم أستخدم الأمين لأن الأخيرة تحولت إلى مسمى وظيفي، والذي أرجو ألا تلحق بها النزاهة. www.asuwayed.com @asuwayed