لسنا ندري ما إذا كان فيلم شيرين دعيبس الجميل «أميركا» قد عرض على أي شاشة تلفزيونية عربية، هذا إذا كان أصلاً قد عرض خلال العامين الفائتين على شاشة أي صالة سينمائية في طول العالم العربي وعرضه. لكن الفيلم عرض قبل عامين في «أسبوعي المخرجين» في مهرجان «كان» الفرنسي، كما عرض قبل ذلك في مهرجان «ساندانس» الأميركي... وفي المكانين نال إعجاباً من المرجح أنه لم يشفع له لدى أصحاب القرار في أماكن العرض العربية، تلفزيونية كانت أو سينمائية، وفق علمنا على الأقل. ولا يعود هذا فقط إلى أن الفيلم وصاحبته فلسطينيان، بل يعود، وهذا الأهمّ، إلى أنه فيلم جميل وذو قيمة... وهذه كلها عناصر تشتغل ضده كما نعرف! المهم، هذا الفيلم الذي يحكي، بعفوية وثقة وقوة تعبير، وبلغة سينمائية «تخدع» في بساطتها، حكاية مطلّقة فلسطينية لم يعد لديها ما تفعله في الوطن الذي يذوب أمامها بفعل عوامل يتسبب فيها المحتل الإسرائيلي كما المجتمع الفلسطيني أو ما تبقى منه. هذا الفيلم يعرض اليوم على شاشة محطة «آرتي» الثقافية الفرنسية - الألمانية، ليتابع حكاية السيدة (قامت بالدور نسرين فاعور مضيئة الشاشة في شكل أخّاذ)، التي كان من سوء حظها أن تصل إلى أميركا، مع ابنها المراهق، كمنفى طوعي، في حقبة ازدادت فيها العنصرية ضد العرب هناك إثر أحداث أيلول 2001 وغزو القوات الأميركية العراق... وهكذا بين الحسّ المأسوي العميق، والكوميديا الراقية، والبعد الإنساني المجابه شتى أنواع العصبيات والأفكار المسبقة، تتمكن السيدة من إعادة اختراع فلسطينها الخاصة ممزوجة بأميركتها الخاصة في ذلك «اللامكان» الذي يكونه المنفى عادة. «أميركا» شيرين دعيبس، الذي يمكن قراءته أيضاً كنوع من السيرة الذاتية المواربة، ليس فقط درساً في الإنسانية، بل هو كذلك درس في السينما. وأكثر من هذا: في ما يمكن السينما أن تفعله في حقول ألغام الهويات القاتلة ورمال العصبيات ووحولها المتحركة. * (الساعة 20,50 بتوقيت باريس على شاشة «آرتي»)