دخل المذيع التلفزيوني الشهير، نجمُ واحد من عشرات برامج ال «توك شو»، القاعةَ فتكالب عليه الجميع! أحدهم يشد على يده مؤكداً عبقرية البرنامج، والثاني يربّت على كتفه مادحاً مهنيته وموضوعيته، والثالث يصفق له بكلتي يديه مهنئاً على سبق تلفزيوني باستضافته فلاناً الفلاني مساء أمس. ورغم أن المذيع كان أثناء دخوله القاعة منتفشاً انتفاشة شديدة، مصحوبة بانتفاخة عنيفة ليست في حاجة إلى مزيد من الانتفاشات أو الانتفاخات الإضافية، إلا أن الاستقبال الحافل آتى مفعوله، حتى كاد كرسيه ينهار من تحته، ومع هذا اضطر المذيع النجم إلى أن يبرح القاعة مبكراً «نظراً لارتباط مسبق بحوار مهم جداً». وبعد توديع حافل وشكر عامر ودعوات بالتوفيق وبمزيد من النجاحات والخبطات، أكد أحدهم ما إن غادر الرجل، أنه يعرف صديقاً للمذيع أكد له أنه عديم الموهبة منزوع الإبداع سطحي التفكير، لكن الحظ وحده جعل منه نجماً فضائياً، فهز الثاني رأسه موافقاً، ومضيفاً أن تناول المذيع الملفات السياسية بالغ التحيّز، ومعالجته آراء الضيوف خالية من المهنية، وجاء التعليقان مطابقَيْن تماماً للثالث، الذي أقسم أن الضيف الذي استضافه في حلقة الأمس سخيف ومكرر، ويجول على كل القنوات الفضائية، وأبدى تعجبه من أن إدارة القناة لا تتابع بقية القنوات لتتأكد من عدم تكرار الضيوف بهذا الشكل المسف! في الأيام الثلاثة التالية، لم يمنع هذا الكلام الثلاثة من الحلول ضيوفاً على المذيع نفسه، وفي كل حلقة منها كان الضيف يظهر متأنقاً متجملاً، وعلامات السعادة بالاستضافة تبدو جلية واضحة على وجهه، ولم تفت أحدهم مجاملة المذيع في بداية اللقاء، بالتأكيد على أن برنامجه هو الأفضل، وأداءه هو الأحسن، ومشاهديه هم الأكثر، مع التنويه في نهاية اللقاء بشكر جزيل على الفرصة التي أتيحت لتوضيح وجهات النظر، وشرح المواقف، وتفنيد الآراء!!... وأغلب الظن أن كلاًّ منهم خرج من الاستوديو متعجلاً لمهاتفة الأهل والأصدقاء لسؤالهم عن تقييمهم أداءه، آملاً في سماع عبارات الثناء والتأكيد على الاستفادة. وعلى أمل تعميم الاستفادة، يوزع الضيف بطاقاته على طاقم المعدّين، لعلهم يكونون من متعددي الأنشطة في البرامج المختلفة، ومؤكداً لكل منهم على حدة أن رقم الهاتف المطبوع رقم شخصي. علاقة المواطن العادي والسوبر (المسؤول أو السياسي) بالفضائيات وبرامج ال «توك شو» علاقة حب كراهية. هذا المواطن يئن تحت وطأة هجمة الفضائيات الشرسة، انه بين الحين والآخر يتخذ قرارات عنترية معلناً مقاطعته كل ما يحوي حواراً، لكنه لا يلبث أن يعود سريعاً ليتابع أحداثاً ساخنة، أو يلم بمجريات أمور مهمة، ليعاود إعلان كرهه للبرامج التي يحبها. كذلك الحال للمواطن «السوبر»، الذي يكره البرامج لأنها تنتقده أو تعرض وجهات نظر مخالفة لما يؤمن به (أو لما هو مطلوب أن يؤمن به)، لكنه في الوقت ذاته لا يتخلف عن تلبية دعوات الاستضافة من قبل المذيع النجم، فما العمل؟