لماذا قد تنشر صحيفة ما معلومات غير دقيقة أو مضللة؟! حتماً الجواب: إما لجهلها بأن المعلومات غير دقيقة أو لغرض في نفس يعقوب. الأولى مصيبة والثانية مصيبة أعظم. ماذا لو كانت هي طرفاً ومستفيداً أول من نشر هذه المعلومات بهذه «الطريقة»؟! إن الإحصاءات أداة مهمة في معظم الصناعات إذا لم يكن كلها. وتلازم هذه الأداة دائماً أداة التحليل. يستفاد من الإحصاءات في مجال صناعة المحتوى (المقروء أو المرئي أو المسموع) في تطوير المنتج (المحتوى)، مثل أية صناعة أخرى. لا يمكن لأي رئيس تحرير موقع أو صحيفة إلكترونية، إلا أن يقرأ ويحلل عبر الإحصاءات سلوك القراء يومياً أو أسبوعياً أو شهرياً. قارئ الصباح يختلف عن قارئ بعد العصر، وكلاهما يختلف عن قارئ بعد منتصف الليل. لكل منهم طبيعة. ذلك يحتم على صانع المحتوى أن يختار ما يبثه لهم بحسب حاجتهم. لأنه يرغب في أن يتحولوا من مجرد قراء أو معجبين بمحتوى الصحيفة أو الموقع أو أية قناة إلى موالين لهذا المحتوى، مصدقين به ومعتادين عليه. بعد الاستفادة من الإحصاء والتحليل في تطوير المحتوى وزيادة الانتشار والمقروئية، يستخدم الإحصاء والتحليل أيضاً لإقناع المعلن بالأرقام والحقائق، لا بالتضليل، بأن إعلانه سيحقق الانتشار إلى جانب هذا المحتوى المميز. كما يستخدم الإحصاء أيضاً لجذب قراء أكثر والتأكيد على القراء الموالين بأن اختيارهم كان صحيحاً، وذلك عبر نشر هذا الإحصاء، في مؤتمر أو في صحيفة أو في سواهما. لكن، لماذا تتحاشى الصحف ذات الصدقية العالية (و«الحياة» منها) نشر مثل هذه المعلومات في السعودية؟! ربما لأن نسبة الخطأ في طريقة جمع الإحصاءات الحالية مرتفعة، والمزايدة على الزملاء في المهنة بإحصاءات تحتمل الخطأ يجرح الصدقية. ولو حصل ذلك لباتت كل صحيفة تبحث عن إحصاءات صحيحة نسبياً لكنها مضللة لكي تدافع عن علامتها التجارية، تماماً كما يحدث مع الفضائيات العربية في السنوات الماضية. لكن الحقيقة ستظهر حين تقارن بين أكثر من مصدر، فحتى نسبة الخطأ المرتفعة في جمع الإحصاءات يمكن أن تقلل وتحصر. لكن الدخول في معركة الدفاع عن العلامات التجارية للصحف في السعودية، سيضر الجميع، إذ إن معظم الصحف تحاول أن تسكت عن الحقيقة الأكبر، وهي التزايد في سلطة الإنترنت وانخفاض الموازنات الإعلانية للصحف التقليدية واتجاهها نحو وسائل الإعلام الإلكترونية (الإعلام الجديد). وقد فرضت ديموقراطية الإنترنت فرزاً للإعلام. يقول رئيس تحرير مجلة «ليكبانسيون» المتخصصة في مجال الاقتصاد، برنار بوليه: «في الإنترنت معلومات غنية للأغنياء منتقاة ومنظمة ومحققة. ومن الجهة الأخرى هناك معلومات فقيرة للفقراء مجانية وسريعة ومكرورة، لكنها خاضعة للعمليات الحسابية لأباطرة الإنترنت الذين يقدمون خدمات مجانية تسمح لهم بتسجيل بيانات كل مستخدم للشبكة، وتستشف ما يبحثون عنه، ومن ثم تحقيق المكاسب». يبدو أنه لم يعد هناك مكان لنشر الإحصاءات المضللة، فعالم الإعلام يتغيّر بسرعة ستصيب البطيئين في الاستيعاب بذعر حين يكتشفون الحقيقة المرة الحلوة في آن. [email protected]