برعاية نائب أمير مكة.. اختتام بطولة «موسم جدة» الدولية ل«الموتوسيرف»    جولة المفاجآت.. اليسار الفرنسي يخلط الأوراق ويطيح باليمين المتطرف    العيسى يدعو إلى ضرورة النداء الدولي للوقف الفوري لفاجعة غزة    الفريق السعودي يحقق لقب أولى بطولات كأس العالم للرياضات الإلكترونية    الاتحاد يغلي    الصحة: معاقبة مخالف لبيعه أدوية تخسيس غير مرخصة    السجن والغرامة والإبعاد عن البلاد بحق عصابة سرقة كيابل    "الأرصاد" أتربة مُثارة على أجزاء من منطقة الرياض    بضمان مالي إخلاء سبيل طليق شيرين عبدالوهاب    المتاحف الخاصة بالحدود الشمالية توثق تاريخ المنطقة    %42 زيادة في نقل المسافرين بقطار الحرمين    حاضنة أعمال لتطوير القطاع غير الربحي    تهنئة حاكم جزر سليمان بذكرى استقلال بلاده    أمير تبوك يستقبل مدير فرع الشؤون الإسلامية بالمنطقة    رئيس هيئة العقار: الإعلام شريك في تنمية واستدامة القطاع العقاري    تنحي نتنياهو يتصدر مطالب الإسرائيليين    تكثيف الجهود لإخماد حريق عقبة الباحة    مسام: 450 ألف لغم ومادة متفجرة تم نزعها من اليمن    الرئيس الإيراني يتعهد بتنفيذ وعوده    16 طالبًا وطالبة بجازان يحققون مراكز متقدمة بالمهارات الثقافية    بصمات 120 موهوبًا من 8 مناطق يشاركون في برنامج إثرائي    كسوة الكعبة المشرفة تزهو بالخط العربي الثلث    مليونا عبوة ماء لزوار المسجد النبوي    250 ألف منشأة بالرياض تحت مجهر "مُثل"    سيولة الاقتصاد السعودي الأعلى ب 2,825 ترليون ريال    النصر في البرتغال استعدادًا للموسم الجديد    4 تصاريح ثقافية جديدة عبر "أبدع"    «دوريات المجاهدين» بجازان تحبط تهريب 507 كيلوغرامات من القات    فريق مشترك لتعزيز التعاون السعودي الصيني    لاعب هولندا يخطف أنظار أندية دوري روشن    وزير النقل والخدمات اللوجستية يبدأ زيارة رسمية إلى جمهورية رومانيا    أمطار غزيرة تسبب انهيارات أرضية في سويسرا    تركي بن محمد بن فهد يرأس اجتماع مجلس إدارة هيئة تطوير محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد الملكية ومحمية الملك خالد الملكية    تدشين الخطة الأكبر لموسم العمرة 1446    تقييم مميز لكانتي في يورو 2024    الديوان الملكي: وفاة الأميرة سلطانه بنت سعود بن عبدالعزيز آل سعود    أمير الرياض يستقبل السفير الجزائري لدى المملكة    فيصل بن بندر يستقبل نائب وزير التعليم للجامعات والبحث والابتكار    آخر كُتب «الفال».. حكايات من العمق في عشق وطن النضارة والحضارة    فوز 4 فرق في مسابقة الفورمولا 1 المدارس استعدادًا للتصفيات العالمية    الكشافة تختتم مشاركتها بالمخيم الكشفي الإسلامي العالمي بأمريكا    سمو محافظ الخرج يستقبل المدير التنفيذي لنطاق الخرج الصحي    مستشفى أبها للولادة والأطفال يُقيم فعالية "اليوم العالمي لسرطان الدماغ"    علماء ينهون مهمّة استمرت 378 يوماً في مكان مشابه بظروفه للمريخ    بدء القبول بجامعة تبوك غدًا مع استحداث تخصصات نوعية وجديدة    النيابة تطالب بإخفاء هوية الشهود في المراسلات والمحاضر    افتتاح "قصور العسابلة" التراثية بالنماص    "بيت حائل" يعيد الزمن الجميل    أخضر الطائرة يواجه العراق .. في رابع مبارياته في البطولة العربية    الأهلي يبدأ تحضيراته للموسم الجديد    «الصحة العالمية»: ابتعدوا عن الوحدة تقربكم من الوفاة    ضيوف الرحمن يعيشون روحانية المسجد النبوي    بتوجيهات ودعم القيادة الرشيدة.. مساعدات سعودية مكثفة ومستمرة لإغاثة الشعب الفلسطيني    محافظ الطائف يقدم التعازي لرئيس نادي عكاظ    "مانجا" تُطلق العرض الأول لمسلسل "جريندايزر يو"    تطوير حبات أرز بنكهة اللحم    المجلس الصحي يطلق تحذيرًا جديدًا.. مختصون ل(البلاد): المشروبات «المحلاة» خطر على الإطفال    السند يطلع على منجزات "الأمر بالمعروف" في موسم الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة طه حسين إلى الحجاز
نشر في الحياة يوم 13 - 10 - 2012

في عام 1955 ذهب طه حسين لأداء فريضة الحج، واستغرقت رحلته تسعة عشر يوماً، وكان لهذه الرحلة صدى واسع في كل مكان، وكان استقباله هناك استقبالاً مهيباً، وعرساً لا مثيل له. فكان في استقباله الملك سعود، والأمراء والأعيان والوجهاء والأدباء والإعلاميون، واحتفت به المؤسسات الثقافية والهيئات العلمية كافة.
كما استقبلته هناك بعثة الأزهر الشريف، وكان من بينها الشيخ محمد متولي الشعراوي، إذ كان يعمل أستاذاً في كلية الشريعة، الذي لم يقف من طه حسين موقفاً سلبياً، مجاراة لزملائه الأزهريين المعروفة خصومتهم آنذاك لطه حسين، بل على العكس، رحب به ترحيباً كبيراً، وحيَّاه، وألقى قصيدة طويلة احتفاءً به. وتعجّب طه حسين من هذين الحفاوة الكبيرة والاستقبال الرسمي والشعبي المهيب، فقال: «معذرة إليك يا صاحب السمو، ومعذرة إلى الذين تفضلوا فاستجابوا لهذه الدعوة من الزملاء والزائرين، معذرة عن هؤلاء المواطنين الذين أخطأوا موضع التكريم ووجهوه إلى غير من كان ينبغي أن يوجّه إليه، فقد أكثروا واشتطوا وأسرفوا على أنفسهم وعلى الناس، وأقول لهم: دعوا أخاكم هذا الضعيف وما قدّم إليكم من خير قليل، واصنعوا خيراً مما صنع، وأخطر مما صنع، وأريحوه من إطالة الثناء، لأنها تخجله وتشعره بأنه يسمع ما ليس له الحق فيه، وأؤكد أنهم قالوا فأسرفوا عليَّ وعلى أنفسهم، ولكن نيتهم كانت خالصة، وقد قال نبيّ الإسلام: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى»، وهؤلاء قد نووا خيراً، وقالوا خيراً، فليعفُ صاحب السمو، فهم قد أخطأوا، فوجهوا الثناء إلى غير مذهبه، وقالوا المديح في غير أهله، وليذكروا أنهم هنا في هذه البلاد يمثلون وطنهم، وأن يقدّروا أن إخلاصهم في حب هذا الوطن وجهدهم في خدمته، وفناءهم في ترقيته والمشاركة فيه مخلصين، إنما هو إخلاص لله قبل كل شيء، فهي أرض الله، فيها أشرق نور الله، ومنها انبعث هذا النور، فهدى أوطاننا جميعاً إلى الحق، وسلك بها سبيل الخير».
في مهبط الوحي
وأعرب طه حسين عن سعادته بهذه الرحلة الإيمانية إلى الحجاز، فقال: «لقد تركتْ زيارتي للحجاز آثاراً قوية رائعة في نفسي، لا يمكن أن تصور في حديث أو أحاديث. وحسبك أنها الموطن الذي أشرق منه نور الإسلام، ونشأت فيه الحضارة العربية الإسلامية. وما أعرف قُطراً من أقطار الأرض أثَّرَ في عقول الناس وقلوبهم وأذواقهم كما أثَّرتْ هذه البلاد، وكما أثّرَ الحجاز فيها بنوع خاص».
وعن مشاعره نحو «مكة» و «المدينة» قال طه حسين: «هما المدينتان المقدستان اللتان تهوي إليهما أفئدة المسلمين، من زارهما منهم ومن لمْ يزرهما، ولم أكن إلاَّ واحداً من هؤلاء المسلمين الذين يزورون مكة والمدينة منذ شَرَعَ الله الدين الحنيف للناس». وبعد زيارته لمدينة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والمسجد النبوي، حاول رجال الصحافة وأعيان المدينة المنورة أن يستمعوا للدكتور طه حسين، ببيانه الساحر، ومنطقه الرائع، وأن يظفروا بما ظفر به الجمهور في مكة وجدة، لكنه أمسك عن القول، على رغم الإلحاح الشديد والمحاولات المتكررة، معتذراً عن عدم الكلام بقوله: «ما كان لي أن أتكلم في مدينة النبيّ، صلى الله عليه وسلم، وما كان لي أن أرفع صوتي وقد قال الله تعالى: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيّ)».
وكتب الصحافي علي حافظ: «شُوهِد طه حسين أثناء وقوفه عند «الحديبية» وهو يأخذ حفنة من التراب ويُقبّلها، وعندما سئل عن ذلك قال: «لعلَّ الرسول وطئَ هنا».
دعوة الخليل إبراهيم
وألقى طه حسين كلمة في إذاعة «صوت مكة المكرمة» قال فيها: «ما وقفتُ مثل هذا الموقف قط إلا تذكرتُ دعوة أبينا إبراهيم رَبَّه (واجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون). وما أروعَ التعبير ب (أفئدة من الناس) في هذا الموضع الكريم، فالفؤاد في الإنسان خلاصة نفسه وروحه، وأفئدة الناس –كِرامُهم وكبارهم وعظماؤهم-، وإذا كان التبعيض والتقليل في كل شيء كريهاً إلى الناس، لأنهم يحبون الإسراف والوفرة والإسهاب في كل شيء، فما أروعَ التبعيض في هذا الموضع. ثم عطف على الدعوة الأولى الدعوةَ بالثمرات، وفي هذا ما يفيد ثمار هذه الأفئدة من إنتاجهم واجتماعهم، وفي هذا ما يحقق المعنى الكريم الذي قصده الإسلام بفريضة الحج وسُنّة العُمرة والاجتماع على الخير والائتمار عليه، وهذا هو سبيل الإنسانية إلى الخير، وهذا هو ما يجعل هذه الفئة التي اختارها الله لجوار حرمه قادرة على أن تؤدي واجبها كما فرضه الله عليها، وبذلك اختتمتْ الدعوة ب (لعلهم يشكرون)، حين يكونون بهذا أقدر على الشكر، وعلى حسن الجوار، وأداء واجبهم نحو الإنسانية والعروبة والإسلام».
لا يحب شيئاً من مؤلفاته!
المؤسف أنه لم يتوقف الكُتَّاب والباحثون عند هذه الرحلة وأحداثها، ربما لأنه لم يسجّلها في مؤلفاته، أو لأنها ظلت حبيسة بطون الصحف السعودية من دون أن يجمعها أحد، إلى أن نجح أخيراً الأديب محمد القشعمي في جمعها في كتابه «طه حسين في المملكة».
ولعلنا لا نعجب عندما نعلم أنه في كل مكان ذهب إليه طه حسين في جزيرة العرب وجد حفاوة بالغة، وترحيباً حاراً، إذ كانت شهرته ملأتْ الآفاق، وانتشرت آراؤه ومؤلفاته في كل مكان. وهناك تعرّض لكثير من الأسئلة في مختلف القضايا، ومن هذه الأسئلة التي طُرِحتْ عليه: ما انطباعاتكم الروحية التي أحسستم بها عند قدومكم إلى هذه البلاد؟ فقال: «ما أكثر ما ألقيَ عليَّ هذا السؤال، وكان جوابي دائماً واحداً، وهو أن أول ما شعرتُ به، ومازلتُ أشعر به إلى الآن، هو هذا الذي يجده الغريب حين يؤوب بعد غيبة طويلة جداً إلى موطن عقله وقلبه وروحه بمعنى عام».
وسئل طه حسين: ما هو إحساسكم حين تجردتم في ملابس الإحرام؟ وبماذا دعوتم الله في المسجد الحرام؟ أجاب: «أؤْثر أن يترك الجواب على هذين السؤالين لِما بين الله وبيني من حساب، وإنه لعسير، أرجو أن يجعل الله من عسره يسراً».
وسئل أيضاً عن شعوره نحو مهبط الوحي؟ فقال: «أمَّا رأيي فيها فهو رأي كل مسلم يقدِّر مهد الإسلام حق قدره، ويتمنى أن تكون مشرق النور في مستقبل أيامها كما كانت مشرق النور حين اختصها الله بكرامته، فابتعث فيها (مُحمَّداً) عليه السلام شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وأنزل عليه القرآن هُدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان».
وقيل له: بصفتك عميداً للأدب العربي، كيف تنظر إلى مؤلفاتكم؟ فقال: «لستُ عميداً للأدب العربي أولاً، وإنما هو كلام يقال. وأعتقد يقيناً وصدقاً وحقيقة، وبكل إخلاص، أنني لمْ أُوفَّق في تحقيق أمنيتي كما ينبغي، فقد قصّرتُ في كل كتاب، ولذلك لا أؤْثر من مؤلفاتي شيئاً».
وسئل عن أول مؤلفاته الإسلامية وآخرها، فقال: كتاب «على هامش السيرة»، وآخرها «مرآة الإسلام».
وسئل أيضاً: ما هي أحب مؤلفاتك إليك؟ فقال: «أمّا عن مؤلفاتي فلا أحب منها شيئاً».
كما سئل عن الشخصية التي استهوته، فقال: «أولاً رسول الله، وثانياً: عمر بن الخطاب، وثالثاً: عليّ بن أبي طالب».
وقيل له: ما الذي تنصحون به رجال الثقافة في البلاد العربية والإسلامية؟ فقال: «لا أنصح لهم، لأني أهون من ذلك، وإنما أتمنى أن يرفعوا الثقافة والأدب والعلم والفن فوق منافع الحياة المادية وأغراضها، وأن يؤثروها على كل شيء، وأن يتخذوها غايات لا وسائل، وهم مطمئنون إلى أن الرجل المثقف أنفع لنفسه وللناس من الرجل الجاهل، وأن العقول التي يقومها العلم ويزكيها الفن هي وحدها التي تستطيع أن تنتج، وأن تملأ الدنيا خيراً».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.