«الكتكوت» لا يستطيع الكذب على أمه الدجاجة لماذا؟ لأنها «فاقسته»، واحدة من عشرات الطرف المعروفة عن الدجاج أو الدواجن، والأخيرة كلمة فيها إيحاء بسيطرة الإنسان التي لم يبذل فيها جهداً ل«تدجين» هذه الكائنات، التي حضر منها الدجاج تحديداً في الرأي العام إلى درجة تأليف الأغاني ونظم القصائد جنباً إلى جنب مع المقالات وافتتاحيات الصحف، ولم يبق إلا مسرحية خاصة بالموضوع تنضم إلى مسرحيات التجار التي كان الفصل الأول فيها ارتفاع الأعلاف، والثاني «البيع بسعر التكلفة». يصف السعوديون الرجل الجبان بأنه دجاجة، وإذا كان جباناً وغبياً فلربما يسمي دجاجة «صقهى»، أي لا تسمع، وتوصف المبادرة الفريدة الوحيدة أو الفعل الذي يأتي مرة واحدة في العمر بأنه «بيضة ديك»، وكل ما هو مربح ومدر للأرباح أو الشهرة يسمى الدجاجة التي تبيض ذهباً، على رغم أن الديك شريكها الحيوي والجيني إلا أنه بعيد عن الصورة تماماً. أغرب ما لفتني في الدجاج كحيوان نأكله، أننا نأكل إناثه، بينما عند الحديث عن الأغنام بأنواعها، وبقية المواشي فالذكر هو الذي يؤكل، والسبب بدهي، لتستمر الإناث في الإنجاب، بل إن النظام يحمي إناث الضأن والماعز من الذبح كما علمت، إذ يمنع ذبحها في المسالخ الرسمية كما فهمت. لا أعرف السبب، فالبدهي أن نأكل الديوك ونبقي الدجاجات ليواصلن إنتاج الدجاج والديوك والبيض، هل لتلاعب الإنسان بجيناتهن علاقة بذلك؟ هل لأنه استطاع «قسمتهن» على اثنين، دجاج لاحم، ودجاج بياض؟ أُعطي للأولى حق الإغراء على المائدة، وللثانية شرف الأمومة المبتورة، إذ يؤخذ إنتاجها ليسمى «بيض المائدة»، وهذا المصطلح يثير فيّ دوماً السؤال التالي: ماذا يسمى البيض الذي يأكل أهله على الأرض، أو على «الطبلية»، هل يمكننا تسميته بيض الأرض مثلاً، أو بيض الفقراء، أو لعله بيض أصحاب الركب السليمة والأجسام الرشيقة ممن يستطيعون أن يجلسوا القرفصاء على الأرض؟ (أخيرا وبعد انتظار سنوات استطعت استخدام كلمة القرفصاء). الدجاج أثبت المقولة العريقة: «مسّ قلبي ولا تمس رغيفي»، فوثبة الرأي العام الواقعي والإلكتروني تثبت أن البطون أهم من العقول عند الغالبية، وهذا مفهوم في السياق الإنساني والتاريخي، وهو مفهوم أكثر عندما يتعلق الأمر بالجوع، ولعل الناس تخشى أن يزداد الجوع كلما ارتفعت أسعار كل شيء. أحياناً نحن بحاجة إلى ثقافة الجوع للطعام والمعرفة وللإبداع، فهي التي تصقل الأرواح وتنير العقول وتريح الأجساد، لقد انتصر البعض لدجاجته أكثر مما انتصر لقضايا اجتماعية وفكرية يمكن أن يكون حلها داعماً لرخاء اقتصادي يجعله يستورد الدجاج «ملوناً». [email protected] @mohamdalyami