يؤخذ على الأطراف المسيحيين في الأكثرية والمعارضة، كما يقول مصدر ليس بعيداً عن قوى 14 آذار، أنهم يفتقدون أي استراتيجية في تعاطيهم مع القضايا المطروحة على الساحة اللبنانية وتحديداً قانون الانتخاب الجديد، وجل ما عندهم يقتصر على رهانهم على أن الصراع السنّي - الشيعي لن يتوقف، بل هو مرشح للتصاعد كلما تفاقمت الأزمة في سورية وبالتالي لا بد من اللعب على التناقضات بين هاتين الطائفتين. ويؤكد المصدر نفسه ل «الحياة» أن المواقف من قانون الانتخاب الجديد جاءت لتدعم مثل هذا الشعور وتعززه، وهذا ما يفسر التنافس القائم بين رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون وبين رئيسي حزبي الكتائب رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل و «القوات اللبنانية» سمير جعجع لتحقيق مكاسب انتخابية من خلال زيادة كل منهم عدد مقاعده النيابية في البرلمان من دون التقليل من حجم التنافس القائم بين الحلفاء المسيحيين في المعارضة مع انه لم يظهر حتى الساعة الى العلن. ومع أن هذا المصدر لم يقلل من حجم الابتزاز، في موضوع قانون الانتخاب، الذي يمارسه الأطراف المسيحيون في الأكثرية والمعارضة على حلفائهم من المسلمين، فإنه يأخذ في الاعتبار حجم المخاوف والهواجس السائدة في الشارع المسيحي من ارتدادات الأزمة في سورية على الداخل اللبناني التي يمكن أن تبرر للبعض فيه الدعوات الى اصطفاف المسيحيين بدءاًَ بالتفاهم على قانون الانتخاب. لكن المصدر يعتقد أن الهواجس لا تقتصر على طائفة دون أخرى وإنما هي مشتركة لأغراض متعددة تنطلق من عدم توحيد الرؤية من الأزمة في سورية التي بلغت ذروتها في الآونة الأخيرة. ويرى ان توحيد الرؤية بين اللبنانيين من الأزمة في سورية، ولو بحدودها الدنيا، أمر ضروري لأن البلد ككل سيدفع ثمن ارتداداتها على لبنان ولن يكون هناك من رابح وخاسر في حال افتقد المناعة لتحصين الساحة الداخلية. ويلفت المصدر أيضاً الى ان تبديد الهواجس والمخاوف لدى المسيحيين لن يتحقق إذا ما شعر المسلمون بأن استيعابها سيتم على حساب البلد من خلال قانون الانتخاب الجديد الذي يفترض فيه توفير الشروط لتأمين صحة التمثيل المسيحي في إطار الحفاظ على العيش المشترك وعدم المس به، وعدم نقل الهواجس من طرف الى آخر. ويسأل المصدر: «أين الحفاظ على العيش المشترك من خلال مشاريع قوانين الانتخاب المطروحة، وهل يمكن تبديد الهواجس لدى المسيحيين بإقرار مشروع يساهم في سلخهم عن شريكهم المسلم ولو في الإبقاء على البلد موحداً في الشكل تحت سقف رفض التقسيم؟». كما يسأل عن الجدوى من تأييد البعض للمشروع الأرثوذكسي الذي يراد منه تطبيق قانون الانتخاب عبر فسح المجال أمام كل طائفة لتنتخب نوابها في البرلمان، وهل يمكن هذا المشروع أن يشكل شبكة أمان سياسية للبلد أم أنه يمعن في تشتيت أصوات الناخبين اللبنانيين من جهة ويبرر الذرائع للجوء بعض المتطرفين والمجموعات المتشددة في الشارع الإسلامي للمطالبة بأن يتم التمثيل النيابي هذه المرة على أساس حجم كل طائفة من الطوائف اللبنانية؟ وبكلام آخر، لا بد من توجيه السؤال الى أصحاب مثل هذا المشروع - ووفق المصدر عينه - عن المصلحة في إحراج الاعتدال الإسلامي، وخصوصاً في الطائفة السنية، وهل إن تمكين الناخبين المسيحيين من انتخاب نوابهم يؤدي الى حل المشكلة في لبنان؟ ويؤكد المصدر أن هذا المشروع بالذات يلتقي مع الحملات المستمرة من جانب رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» ميشال عون على تيار «المستقبل» بعد إبعاد زعيمه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن رئاسة الحكومة. وإلا من يقدم تفسيراً للانقلاب الذي حصل ضد الأخير فيما بعض زعماء الطوائف الأخرى يحصدون «ثمرة» إقصائه عن السلطة، بالمفهوم السياسي السلبي، في ظل عدم قدرتهم على التعايش تحت كنف الأكثرية وكأن اتفاقهم اقتصر على إبعاده، وإلا لماذا كل هذه المراوحة داخل الحكومة؟ ويدعو المصدر الكنائس المسيحية، وعلى رأسها البطريرك الماروني بشارة الراعي، الى لعب دور جامع من شأنه أن يولد قوة ضاغطة تدفع في اتجاه إحداث صدمة سياسية إيجابية يمكن الرهان عليها في الالتفات الى الاختلاف السنّي - الشيعي والعمل من أجل التخفيف من وطأته على الوضع العام في البلد. وفي هذا السياق، يلوم المصدر الكنائس المسيحية ومعها الأطراف السياسيون الفاعلون على ترددهم في القيام بمبادرة من أجل تنفيس الاحتقان بين السنّة والشيعة بدلاً من أن يراهن البعض، ممن ليس لديه ما يخسره، على أن الوضع المسيحي يستعيد حيويته جراء احتدام الأزمة الشيعية - السنية، وهذا ما يخالف الرأي السائد لدى آخرين وأبرزهم رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط الذي يدعو باستمرار الى الحوار بدءاً بالقيادات السنية - الشيعية. ويضيف ان جنبلاط يحذر من الآثار السلبية المترتبة على استمرار الاحتقان السنّي - الشيعي وضرورة تحضير الأجواء للتأسيس لمرحلة جديدة من الحوار يسعى اليها رئيس الجمهورية ميشال سليمان، لافتاً الى ان الإخلال بالمعادلة الداخلية سيلحق الضرر باللبنانيين ويدفع بالمسيحيين الى مزيد من الهجرة ولا مصلحة للجميع في الرهان على «انقلابات» انتخابية يستقوي بها فريق على الآخر. ويؤكد المصدر ان الوجود المسيحي في لبنان ضروري ومن غير الجائز التعامل معه على انه أقلّوي، وإلا سيفقد لبنان ميزته في الشرق الأوسط وسيتراجع الاهتمام الغربي به. ويدعو الى إخراج قانون الانتخاب من البازار السياسي الذي فتح الباب أمام قيام حفلة من المزايدات تخفي الرغبة في تسعير المنافسة بين الأطراف المسيحيين وتكمن مهمتها الأساسية في تحديد من سينتزع مقاعد نيابية تؤدي، من وجهة نظر هؤلاء الأطراف الى الحد من تأثير الزعامات الإسلامية في الانتخابات من دون ان تلجم ما قد تذهب اليه بعض الجماعات المتشددة في السؤال عن الجدوى من التمسك بالمناصفة بين المسيحيين والمسلمين في البرلمان التي تعتبر بمثابة صمام الأمان لتكريس الشراكة والحفاظ على العيش المشترك. لكن المصدر يؤكد ان الوجه الآخر للمبارزة بين عون وجعجع على قانون الانتخاب يمت بصلة غير ظاهرة للعيان، الى المنافسة على رئاسة الجمهورية، مع انه من حقهما التطلع اليها وليس هناك من يمنعهما من خوضها ترشحاً أو دعماً لهذا المرشح أو ذاك. ويضيف: «صحيح أن الانتخابات النيابية هذه المرة تكتسب أهمية خاصة باعتبارها تشكل محطة رئيسة على طريق التحضير لمعركة انتخابات الرئاسة الأولى في ربيع 2014، لكن الأصح هو أن رئيس الجمهورية لا يريد التمديد، وهذا يفتح الباب أمام البحث عن رئيس جديد يتمتع بمواصفاته». ويتابع المصدر ان إصرار سليمان على موقفه عدم التمديد يستدعي البحث عن سليمان «ثانٍ» بمواصفات الأول الذي وإن كان تعذر عليه، بسبب الظروف المعقدة في لبنان وارتباطها بأزمة الشرق الأوسط والحراك الدائر في سورية، تحقيق إنجازات كبرى، فإنه في المقابل نجح في الحد من انزلاق البلد سواء من خلال تعاطيه في مسألة استمرار خروق الجيش السوري للحدود اللبنانية واستهدافه بعض البلدات في عكار والبقاع أم من خلال توفير الحد الأدنى من الحماية للنازحين السوريين وتقديم الخدمات الضرورية لهم، إضافة الى ان رعايته لطاولة الحوار الوطني أوجدت الفرصة المناسبة لطرح مخرج لمشكلة السلاح غير الشرعي. ومع أن المصدر يعترف بأن مواقف سليمان من الأزمة في سورية، انطلاقاً من حرصه على اتباع سياسة النأي بلبنان عنها وتحييده عن ارتداداتها السلبية، «أزعجت» النظام في سورية وأقلقت بعض حلفائه، خصوصاً عندما طلب من وزارة الخارجية تسطير مذكرة احتجاج على السلطات السورية بسبب استمرار الخروق، فإنه في المقابل لقي تفهماً دولياً لمواقفه. لذلك، آن الأوان للأطراف المسيحيين، كما يقول المصدر، لإطلاق مبادرة في اتجاه المسلمين لأن اكتفاء بعضهم بالرهان على استمرار الاختلاف بين السنّة والشيعة لن يحسن من شروطهم في أي تسوية سياسية ما زالت تتعثر. ويعتقد ان على المسيحيين ان يتحسبوا للمرحلة المقبلة. ويسأل: «هل سيستمر الخلاف السنّي - الشيعي الى الأبد وكيف سيتصرف بعضهم في حال أخذ يتراجع تدريجاً وماذا سيقولون لشركائهم في الوطن؟»، ناهيك بخطورة الرهان على معركة تصفية حساب بين السنّة والشيعة لأنها ستكون مديدة، ولن يكون مثل هذا الرهان لمصلحة البلد، وسيؤدي الى تقويض ركائزه، وستتحول القضية الى معركة على أنقاض بلد.