ربما يكون من الطبيعي أن تحتل أخبار وكالات الأنباء صدر الصفحات الأولى لعدد من الصحف، وهو أمر ليس بمستغرب مهنياً، لكن النادر هو أن تحدث عملية عكسية لنشر ونقل الخبر، بمعنى أن تقوم وكالة الأنباء بالنقل عن الصحيفة، وليس العكس، هنا يتبدى المحك المهني الحقيقي، الذي يرسخ لمفهوم أن تقويم الصحف ليس بحجم أو عدد القراء وحده، على رغم أهمية المقياس الأخير، بل هناك قيمة أخرى من الصعب على كثير من الصحف اليومية، تحقيقها أو الوصل إليها، وهي التحول إلى مصدر معلوماتي موثوق وصادق، تنقل عنه وكالات الأنباء الدولية ووسائل الإعلام المختلفة من دون تخوف أو تشكيك. «الحياة» التي أسست طبعتها الدولية عام 1946 تفوقت وإلى حد كبير في هذا الجانب، فكانت غالباً مصدراً لكثير من وكالات الأنباء ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، الأمر الذي صنع منها مصدراً مؤثراً في مضمون الخريطة الإعلامية العربية والعالمية، ومرجعاً للدراسات على مستوى الشرق الأوسط والعالم. ومنذ أن تأسست طبعتها الخليجية عام 2005 في واحدة من أهم وأصعب التجارب الصحافية الحديثة، برز التحدي في نجاحها بخلق لغة صحافية رشيقة، قادرة باحتراف على الجمع بين نخبوية الخبر، وسهولة المفردة وبساطتها، ما أكسبها صدقية لدى القارئ ولدى كثير من وسائل الإعلام الدولية، التي باتت تنقل عنها بشكل يكاد يكون يومياً خبراً أو مقالاً أو تحقيقاً أو قضية تطرحها الصحيفة، الأمر الذي أوجد على مائدة الصحافة الدولية، حيزاً احتله باقتدار وصدقية الخبر السعودي المحلي الذي صنعته غالباً «الحياة»، عوضاً عن الانفرادات التي حققها كثير من الزملاء طوال سبع سنوات هي عمر الطبعة الخليجية من الصحيفة. هذا التميز للصحيفة وسط نظيراتها من الإصدارات اليومية، كشفه آخر إحصاء أجرته شركة إيبسوس للأبحاث والدراسات عن حجم مقروئية الصحف اليومية السعودية في 2012، وفيه احتلت «الحياة» المرتبة الثانية على مستوى المملكة، على رغم الخطأ في احتساب نسبة توزيع الصحيفة الذي تم تفتيته وتشتيته إحصائياً بطبعات مختلفة في الرياضوجدة والدمام، ومع كل هذا التشرذم، احتلت الصحيفة أيضاً مراكز متقدمة في هذه المناطق. إحصاء لم تورده إيبسوس بدا في رصد أهم ما نقل عن الصحيفة خلال الأيام القليلة الماضية فقط، وهو أكثر من خبر وإن كان أبرزه منفرداً عن بقية الصحف، الكشف عن قرب صدور نظام ينقل بعض اختصاصات الأمر بالمعروف إلى جهات أخرى في الدولة، تناقلته صحيفة «الديلي تليغراف» البريطانية وقناة «بي بي سي»، وموقع «ميديل إيست»، وصحيفة «الوفد» المصرية، وبوابة مكتوب وياهو الإخبارية، وتقارير ملفات المتوسط، وغيرها من المواقع والقنوات الإخبارية، التي سارعت إلى نقل ما أوردته «الحياة» على صدر صفحتها الأولى يوم الأربعاء 3 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، وقدمته لقرائها وجمهورها على أنه دليل على خريطة الإصلاح، الذي تتبناه حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. هذه القناعة التي يستريح إليها ضمير الزملاء في القنوات ووسائل الإعلام الدولية، تضرب بمهنية مرتفعة ما يسميه «شيوخ المهنة» باحتكار الغرب لوكالات الأنباء، وهو ما يؤدي في الأخير إلى ما يصفه خبراء بأنه «تسويق للثقافة الغربية على حساب تعدد الثقافات وتنوعها، كما يؤدي إلى تشويه الذاتية الثقافية والحضارية للشعوب الأخرى». هذه الجزئية تقفز بين لحظة وأخرى في وعي منسوبي الصحيفة من محررين ومسؤولين، قانعين دوماً بأن الركون المكثف إلى أخبار وكالات الأنباء يفقد الصحيفة تميزها وتفرد مضمونها، وجاذبية ما تنشره وتأثيره في القارئ الذي تستهدفه، وهو ما يصنع بشكل مباشر قيماً إخبارية محلية جديدة توظف في الحكم على مهنية الصحيفة مقارنة بنظيراتها من الصحف اليومية المحلية.