في كل انتخابات رئاسية أميركية لا ينتبه بعض المتابعين الى دور التلفزيون: الصورة التي تنقل وتتابع تبدو «محايدة» لا شأن مباشراً لها بسياسة هذا المرشح أو ذاك، وتجتهد في الوقت ذاته للإحاطة بالتفاصيل والجزئيات الصغيرة التي تشكّل مجتمعة العملية الانتخابية. انتخابات الرئاسة الأميركية تبدو لنا تلفزيونية بامتياز، سواء تعلّق الأمر برسم صورة المرشّح وتلميعها، أو حتى مدّه بالأخبار الداعمة بما في ذلك استطلاعات الرأي وما تملكه عادة من تأثير في الرأي العام. أما حين يتعلّق الأمر بالمناظرات بين المرشحين، فهي الأكثر تأكيداً لدور التلفزيون، إذ تجعل كل لقطة مهما كانت جزئية أو هامشية ذات تأثير قد يكون حاسماً في تقرير من سيدخل البيت الأبيض. المناظرات التلفزيونية هي مشاهد الحضور والأداء لكل مرشح، وهي لهذا السبب بالذات تعكس في أذهان المشاهدين قدرة المرشح من خلال تمكُنه من إقناع المواطن صاحب الصوت الانتخابي. في الولاياتالمتحدة جدالات دائمة حول الديموقراطية مفهوماً وتجربة محلية، لكن أبرزها وأهمها تلك التي تتناول النظام الانتخابي: وجود حزبين يحتكران التنافس وتنحصر بينهما أصوات الناخبين ويلغيان أي هامش لطرف ثالث يمكن أن يشكّل خياراً للناخب، وهو نظام يجد له شبيهاً في بريطانيا بين الحزبين الكبيرين، العمال والمحافظين، وإن ظلت الانتخابات البريطانية مفتوحة لاجتهادات أحزاب أخرى كحزب الأحرار، ما يخفف وجودها من حدة احتكار حزبين لا ثالث لهما. الصورة التلفزيونية في الانتخابات الرئاسية الأميركية ليست وسيلة لتغطية الحدث، هي إلى حد كبير صانع يشارك في خلقه وتطويره وحتى في توجيهه بهذا المقدار أو ذاك والمواطن الناخب ليس في هذه الحالة بعيداً من كونه متلقياً يستقبل الضخ الإعلامي الهائل الذي يرافق تلك الانتخابات عادة. ليس هذا أيضاً بعيداً من رأس المال وسطوته الهائلة، والدعم التلفزيوني ليس «بريئاً» أو محايداً. إنه ماكينة هائلة عظيمة القدرة، تصنع صورة الرئيس الأميركي المقبل، أي من تقرّر مصير الانتخابات ونيات الناخبين. في التصوير يقال عادة إن فلاناً «فوتو جينيك»، أو كما يقول النقاد «تحبه» الكاميرا، وهذه ليست صفة عابرة، إنها مفردة بالغة الأهمية يوظّفها التلفزيون وحملاته الداعمة.