انعكست أجواء المواجهة المتصاعدة بين سورية وتركيا في أعقاب قصف الجيش السوري قريةً حدودية تركية على أجواء السياسة الداخلية التركية، وأبرزت الخلاف القائم بين الحكومة وفريق من المعارضة في شأن حدود تدخل أنقرة في الأزمة السورية. واكتفت أنقرة ب «رسالة ردع»ما يعني أن المواجهة ستحصل «عند الضرورة». وعقد البرلمان التركي جلسة عاصفة أمس لمناقشة الطلب الذي قدمته حكومة رجب طيب أردوغان لمنحها تفويضاً موسعاً مدته عام يسمح للجيش بشن عمليات عسكرية خارج الحدود، على غرار ما يقوم به في شمال العراق. ووافق البرلمان على الطلب بغالبية 320 نائباً ضموا نواب الحكومة وحزب المعارضة القومي فيما رفض الطلب 129 نائباً من حزب السلام والديموقراطية الكردي وحزب الشعب الجمهوري اليساري. وشن هذا الحزب، الذي يدين بالولاء لأفكار أتاتورك، هجوماً لاذعاً على وزير الخارجية أحمد داود أوغلو قائلاً إن مغامراته الخارجية «تعود بالموت والخراب على تركيا» معتبراً أن سياسة العمق الاستراتيجي التي يبشر بها داود أوغلو قد أفلست. واتهم الحكومة بالسعي للزج بتركيا في حرب إقليميه لا مصلحة لها فيها. واضطرت الشرطة لاستخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق تظاهرة شارك فيها مئات اليساريين على باب البرلمان للتعبير عن رفضهم منح الحكومة تفويضاً لاستخدام الجيش في عمليات خارجية تستهدف سورية، ورفعوا لافتات منددة بالحرب ومؤيدة للشعب السوري. وبموافقة البرلمان على التفويض اعتبر وزير الخارجية أن «الرسالة وصلت إلى صاحبها» في إشارة إلى نية الحكومة الاكتفاء بقرار البرلمان الذي اعتبره داود أوغلو رادعاً قوياً لدمشق، فيما شدد نائب رئيس الوزراء بشير أتالاي على أن الضوء الأخضر الذي أعطاه البرلمان ليس تفويضاً بشن حرب و «أنه سيكون بمثابة رادع». وأكد مسؤولون في حزب العدالة والتنمية أن هذا التفويض لا يعني إعلان الحرب على سورية، خصوصاً في ظل وجود بعض التململ داخل الحزب الحاكم تجاه سياسة الحكومة فيما يتعلق بالملف السوري، إذ قال وزير الخارجية الأسبق وعضو حزب العدالة والتنمية الحاكم يشار ياكش إنه من الواضح أن القصف السوري على قرية أكتشه قالا لم يكن متعمداً وأن دعم حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي موقفَ تركيا لا يعطيها الحق في إعلان الحرب على سورية أو استخدام الجيش التركي للتدخل في النزاع الداخلي القائم هناك. وكان نائب رئيس الوزراء التركي بشير أتالاي أكد أمس أن سورية اعتذرت عبر الأممالمتحدة عن الهجوم، الذي أسفر عن مقتل خمسة مدنيين في جنوب شرقي تركيا وقالت إن مثل هذا الحادث لن يتكرر. وقال أتالاي «أقرت سورية بما فعلت واعتذرت. قالوا إن مثل هذا الحادث لن يتكرر ثانية. هذا أمر جيد. توسطت الأممالمتحدة وتحدثت إلى سورية في المساء». وفي نيويورك عطلت روسيا حتى مساء أمس تحرك مجلس الأمن لإصدار بيان يدين قصف الجيش السوري تركيا فيما ارتفعت وتيرة التحذيرات من تهديد النزاع في سورية للأمن والسلم الدوليين. وحذر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من «ازدياد أخطار انتشار الأزمة السورية إلى الدول المجاورة وتفاقمها» لتشكل «تهديداً للأمن والسلم الدوليين». مشيراً إلى أن «الوضع داخل سورية بما فيه الهجوم الإرهابي الأخير في حلب يعزز أخطار النزاع الإقليمي». وقال في بيان إن الممثل الخاص المشترك الموفد إلى سورية الأخضر الإبراهيمي يجري اتصالات مع المسؤولين في تركيا وسورية «للتشجيع على خفض التوتر». وأكدت السفيرة الأميركية في الأممالمتحدة سوزان رايس أن تركيا «حليف رئيس للولايات المتحدة» وأن «القصف السوري عبر الحدود يجب أن يتوقف». وقالت إن تبعات عدم قدرة مجلس الأمن على التحرك «تزيد الوضع تدهوراً ليس فقط داخل سورية بل بالنسبة إلى الدول المجاورة لها أيضاً، بعدما تكرر الأمر نفسه مع لبنان والأردن وتركيا». وأضافت أن عمل مجلس الأمن «عطل ثلاث مرات بالفيتو» مشيرة إلى أن الولاياتالمتحدة «ستواصل تكثيف الضغط على نظام الأسد، والدعم المادي والسياسي للمعارضة، والعمل على جمع الأدلة على الجرائم تمهيداً لمحاسبة مرتكبيها». وعن التحرك داخل مجلس الأمن قالت رايس إن مشروع البيان الذي وزع مساء الأربعاء «يعكس النقاط التي يجب أن يتضمنها» أي موقف لمجلس الأمن وفق «ما تتوقعه الحكومة التركية». وقالت إن التعديلات الروسية على نص مشروع البيان «غير مقبولة من الكثير من أعضاء المجلس» مشددة على ضرورة تحرك المجلس بسرعة حيال إصدار البيان. وكانت أذربيجان وزعت مشروع بيان مساء الأربعاء يدين بموجبه مجلس الأمن (في حال تبنيه) «بأقسى العبارات قصف القوات المسلحة السورية القرية التركية ما أدى إلى مقتل خمسة مدنيين هم امرأة وأطفالها، وجرح آخرين». ووفق مشروع البيان «القصف يمثل شكلاً من أشكال انتشار الأزمة السورية إلى الدول المجاورة إلى درجة مخيفة» وزاد أن «مثل هذه الانتهاكات للقانون الدولي تعد تهديداً جدياً للأمن والسلم الدوليين، ويطلب أعضاء مجلس الأمن أن تتوقف فوراً». ووفق النص نفسه يدعو مجلس الأمن «الحكومة السورية إلى الاحترام الكامل لسيادة الدول المجاورة وسلامة أراضيها». ويتطلب تبني مشروع البيان إجماعاً في مجلس الأمن وهو ما عطلته روسيا باقتراح مضاد تضمن تعديلات جوهرية في مشروع البيان بحيث وصف القصف بأنه «انطلق من الأراضي السورية» من دون الإشارة إلى الجيش السوري، كما أسقط عبارات «انتهاك القانون الدولي» و «تهديد الأمن والسلم الدوليين». وتابعت روسيا عبارة يدعو بموجبها مجلس الأمن «الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتجنب الاشتباكات العسكرية التي قد تؤدي إلى تصعيد إضافي على الحدود السورية - التركية». ووفق ديبلوماسي غربي فإن روسيا «أرادت نزع أي فعالية لبيان مجلس الأمن وقطع الطريق على أي متابعة إجرائية له من خلال إسقاط الإشارة إلى التهديد للأمن والسلم الدوليين». وتوقع أن تكون «المفاوضات طويلة وشاقة قبل التوصل إلى تسوية حول مشروع بيان يصدر عن المجلس». وكانت تركيا دعت مجلس الأمن في رسالة رسمية إلى «اتخاذ الإجراءات المناسبة لإنهاء الأعمال العدائية» من «القوات المسلحة السورية» وللتأكد من أن سورية «تحترم سيادة تركيا وسلامة أراضيها وأمنها». واعتبرت أن «الأعمال العدائية المرتكبة من سورية ضد تركيا تعد انتهاكاً للقانون الدولي وخرقاً للأمن والسلم الدوليين». وردت الحكومة السورية برسالة إلى مجلس الأمن أمس دعت فيها تركيا إلى «الحكمة والعقلانية واحترام السيادة الوطنية وعلاقات حسن الجوار والتعاون في ضبط الحدود المشتركة ومنع تسلل المسلحين الإرهابيين بين البلدين». وقال بشار الجعفري السفير السوري في الأممالمتحدة في الرسالة التي سلم نسخة منها إلى الأمانة العامة، إن القوات التركية قصفت أراضيَ سورية على امتداد الليلة الفائتة «ما أدى إلى إصابة ضابطين سوريين، وإن القوات السورية مارست ضبط النفس ولم ترد على القصف التركي». وقال إن «الجهات المعنية في سورية تدقق في شكل جدّي في مصدر النيران التي أدت إلى استشهاد مواطنة تركية وأولادها» مشيراً إلى أن ثمة «حالة دقيقة خاصة على الحدود لناحية وجود مجموعات إرهابية مسلحة غير منضبطة ولها أجندات وهويات مختلفة، تشكل خطراً على أمن سورية والأمن الإقليمي لدول المنطقة». ودعا دول الجوار إلى «احترام السيادة الوطنية لسورية والتعاون في ضبط الحدود ومنع تسلل المسلحين والإرهابيين وفق ما تفعله سورية دائماً». في المقابل بدا الانزعاج واضحاً على أهالي قرية أكتشه قالا أثناء زيارة وزير العمل التركي فاروق شيليك الذي قوبل بتظاهرة غاضبة وتساؤلات من المواطنين حول سبب الاهتمام الكبير باللاجئين السوريين مقابل إهمال وضع المواطنين الأتراك على الحدود مشيرين إلى تعرض قريتهم للقصف أكثر من مرة خلال الأيام العشرة الأخيرة من دون أن يدفع ذلك الحكومة لاتخاذ أية تدابير أمنية.